مهما قيل من تبريرات بخصوص الإيداعات المليونية في الحسابات البنكية للنواب المؤيدين للحكومية فإن القضية في جانبها السياسي وليس الجنائي واضحة جدا، فهي رشوة سياسية الهدف منها تجيير مواقف وتصويت هؤلاء النواب لمصلحة طرف سياسي معين وهو الحكومة، كما تشير كل الدلائل حتى الآن رغم أن بعض المتابعين يشيرون إلى احتمال أن يكون هنالك طرف خارجي أيضا، وهنا مكمن الخطورة.
إذ إن الأمر، لو ثبتت صحته، يتعلق بأمن الدولة، وقد يصل إلى الخيانة العظمى، فالنواب الذين «يبيعون» مواقفهم وضمائرهم لن يضيرهم من هو المشتري أكان محليا أم خارجيا، فالمهم هو المبلغ الذي سيقبضونه في النهاية.إذن نحن أمام فضيحة سياسية من العيار الثقيل جدا سواء كان مصدر هذه الأموال داخليا وهو الأرجح أو خارجيا أو الاثنين معا، لهذا فإنه يجب أن تعالج هذه الفضيحة السياسية الثقيلة بشكل سياسي صحيح جنبا إلى جنب مع المعالجة الجنائية الصحيحة، وإلا فإن تبعاتها ستنعكس على النظام السياسي برمته، وقد تفتح الباب واسعا للتدخلات الإقليمية والأجنبية في شؤوننا المحلية من خلال النواب «القبيضة».من هنا فإنه لن تجدي «طمطمة» الموضوع نفعا كما حصل في شبهات رشاوى سياسية سابقة، أو ادعاءات بعض النواب بمن فيهم من تدور حولهم الشبهات؛ بتقديمهم كشوفا بذممهم المالية رغم أنهم أنفسهم يعرفون أن ذلك لا يعدو عن كونه استعراضات إعلامية فارغة؛ نظراً لغياب قوانين منع التكسب غير المشروع، وعدم وجود جهاز تنفيذي مستقل يتابع حسابات النواب وذويهم وأقربائهم من الدرجة الرابعة، ويراقب تصرفاتهم المالية.كما أن حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة لن يجدي نفعا أيضا؛ خصوصا إذا لم يسبق حل المجلس إصدار حزمة تشريعات متكاملة لمحاربة الفساد والإفساد، بالذات الفساد السياسي، وإنشاء هيئة مستقلة تتولى تطبيق قوانين مكافحة الفساد، وتتابع تنفيذها على أن تكون هذه التشريعات والقوانين جزءا لا يتجزأ من حزمة إصلاحات سياسية شاملة وجذرية، تعيد للكويت وجهها الديمقراطي الحضاري الذي وضع إطاره العام دستور 1962.أخيرا وليس آخرا، أليس من الغريب ألا يستقيل أو يقال أي من المسؤولين الحكوميين بعد هذه الفضيحة السياسية الكبيرة التي تمس أسس النظام البرلماني والسياسي؟ لقد ترتب على فضيحة مصروفات النواب البريطانيين التي تفجرت قبل نحو عامين والتي لا يتجاوز بعضها مبلغ دينار و800 فلس استقالة رئيس مجلس العموم البريطاني لأول مرة منذ نحو 300 عام، واستقالة بعض الوزراء، أما لدينا فإن «الطمطمة» هي سيدة الموقف، وهو الأمر الذي ساهم في تشويه نظامنا الديمقراطي، فهل تكون هذه الفضيحة السياسية المدوية هي القشة التي ستقضم ظهر الفساد والإفساد، خصوصا بعد إجماع القوى السياسية والشبابية على رفضها وقيادة التحرك الشعبي لإسقاط الفساد والمفسدين الذي كانت بداياته في ساحة الإرادة يوم 21 سبتمبر؟
مقالات
الرشاوى المليونية والتدخلات الأجنبية
26-09-2011