كنت قرأت حوارا أجرته وكالة فرانس برس مع الباحث والناقد الإماراتي علي بن تميم، مدير مشروع «كلمة» للترجمة، التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، تطرق الحديث إلى نواح عدّة، من بينها قضايا النشر، وتوزيع الكتاب، ومشكلات القراءة في العالم العربي.
إن أكثر ما شدني في هذا الحديث هو تلك «اللمحة» التي أشار إليها بن تميم عرضاً ولم يتوقف عندها تفصيلاً، وذلك عندما عبّر عن انزعاجه من «عدم وجود شفافية لدى الناشر العربي في تقديم إحصائية لمعرفة الحجم الحقيقي للقراءة في العالم العربي، في محاولة التفاف من بعضهم على حقوق المؤلف، فهو يطبع ثلاثة آلاف نسخة، لكنه لا يقدّم أي مؤشر في ما يتعلّق بطبعات أخرى». وبالطبع هنا إشارة واضحة إلى اعتداء الناشر على حقوق المؤلف في ما يتعلّق بطبعات أخرى، بمعنى أنه قد يعيد طباعة الكتاب مرات ومرات، تحت مسمى الطبعة الأولى، وقد يطبع من الكتاب عشرة آلاف نسخة، ولكنه لا يصرّح سوى بثلاثة آلاف منها. ما ذكره بن تميم أمر يتداوله المؤلفون العرب همسا في مجالسهم، وإن لم تتوافر لديهم إحصاءات مؤكدة، لرفع الصوت عاليا، والوقوف في وجه هذا الناشر أو ذاك للمطالبة بحقوقهم. أحد الأصدقاء أخبرني بأنه يكاد يخمّن عدد مبيعات ديوانه في معرض الرياض للكتاب، وهو عدد كبير، ولعدة سنوات متتالية، حيث ترده الأخبار من هناك، في الوقت الذي تصرّ فيه دار النشر على أن الإقبال على الكتاب ضعيف، وأنه لم يبع منه سوى نسخ محدودة. معرض الرياض ربّما يكون منصفا بالنسبة إلى المؤلفين من داخل المملكة السعودية، حيث نتابع الإحصاءات التي تصل إلى بضع مئات للكتاب الواحد من الكتب الأكثر مبيعا، مثلما هو الحال مع روايات يوسف المحيميد، وعبده خال، أو كتب الناقد عبدالله الغذامي، حيث يتاح للمؤلف الإشراف على كتبه وعدد مبيعاتها، وحفلات التوقيع خير شاهد على ذلك، ولكن الوضع مختلف بالنسبة إلى المؤلفين الآخرين، كيف يدرك هؤلاء عدد مبيعات كتبهم؟ وإذا غابت مصداقية الناشرين فإن حقوق المؤلفين ستذهب في مهبّ الريح. إذا افترضنا جدلا أن الناشرين العرب، أو عددا كبيرا منهم لا يدلون بالمعلومات الحقيقية حول مبيعات الكتب، خصوصا في ما يتعلّق بالرواية، والدراسة، والكتاب السياسي، أو الديني، إذا شاء الناشرون التلاعب بإحصاءات المبيع في هذه المجالات فإننا نقع في مأزق كبير، أو نكاد نعيش كذبة كبرى، اسمها ضعف القراءة في العالم العربي، مقارنة بالأمم الغربية، التي تحكمها قوانين نشر صارمة، وحقوق مشروعة يحترمها كلا الطرفين. ومن المؤسف حقا أن نتباكى على وضع الكتاب المزري، في حين ان الحقيقة غير ذلك تماما، وقد لا تصل مبيعات الكتاب لدينا إلى ما هو عليه الحال في فرنسا، أو هولندا، والمملكة المتحدة، ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها ان لدينا إقبالا كبيرا على الكتاب ولننظر مثلا إلى معارض الكتاب التي تقام في القاهرة، والرياض، وبيروت، والشارقة، والرباط، كلها معارض مزدحمة بالزوار، الذين يأتون لغرض الشراء، فأين تذهب إحصاءات هذه الكتب المبيعة؟ لمَ لا يقول الناشرون العرب الحقيقة كاملة للجمهور، بدلا من أن يدلوا بمعلومات مغلوطة، تبنى عليها دراسات خاطئة، ينتج عنها مؤسسات مبنية على معلومات خاطئة؟ وفي تصوّري لو أن المعلومات الحقيقية تصل إلينا لوجدنا عددا أكبر من المؤسسات الثقافية التي تضاهي مشروع «كلمة» والمجلس القومي للترجمة، ولوجدنا في كل ركن في المدن العربية دار نشر، ومؤسسة توزيع. الخوف هو ما يمنع المستثمرين العرب من خوض هذه التجربة، التي ترسّخ في ذهنهم أنها خاسرة سلفا.
توابل
مصداقية الناشر
11-03-2012