ربما على المثقفين العرب الذين تابعوا جائزة نوبل للآداب، هذه السنة (2011) أن يتريثوا قليلا، ويعيدو حساباتهم مجددا. كنا نتمناها لأدونيس بكل تأكيد، ولكنها أيضا ذهبت إلى شاعر يستحقها، فتوماس ترانستومر كان اسمه مطروحا منذ ما يربو على سبعة عشر عاما، وهو أحد الذين جلبوا الأنظار إلى الشعر السويدي، بتجديديته المفرطة، وشعره الذي كُتب من أجل الشعر فحسب، وإيمانه بالرؤية التي تخرج من الوجدان، وتعود إليه من دون أية منافع خارجية.

Ad

ثمة أمور كثيرة تجمع أدونيس إلى ترانستومر، فهذا الأخير ولد عام 1931، بينما ولد أدونيس قبله بعام واحد، ولعل من اللافت أن الاستطلاعات العالمية ومنذ عشرة أعوام تقريبا لا تخلو من هذين الاسمين، بل إن شركة المراهنة البريطانية بوكميكر لادبروكس، وضعت في السنتين الأخيرتين اسم أدونيس في مقدمة اللائحة، ويليه تاليا توماس ترانستومر. لم تبعد كثيرا تخمينات هذه الشركة ولكن الآية عُكست ليختطف ترانستومر الجائزة، ويبقى أدونيس على لائحة الانتظار، ومعه الثقافة العربية برمتها.

ساهم أدونيس في نقل أعمال ترانستومر إلى العربية حين ترجمها قاسم حمادي، وكتب مقدمتها أدونيس عام 2005، وليست هذه الترجمة الوحيدة بل ثمة ترجمة أخرى أعدها علي ناصر كنانة، وصادرة عن الدراسات العربية للنشر 2003، وثمة من يتحدث عن صداقة تجمع الشاعرين أدونيس وترانستومر.

ذهبت الجائزة هذه السنة إلى من يستحقها، بعد أن ظُلم ترانستومر كثيرا طوال السنوات تلك، بحجة أن الأولوية للجائزة ليست للبلد المانح، وإنما تذهب إلى بلدان وثقافات أخرى، ليس ثمة ميثاق مكتوب بهذا الشأن، ولكنه أمر يؤخذ في الحسبان على أية حال، مما جعل كثيرا من الكتاب والمثقفين يدعو صراحة إلى إنصاف ترانستومر، وعدم إبقائه كل هذه السنوات منتظرا بحجة أنه يحمل الجنسية السويدية، لتلتفت الجائزة أخيرا إلى ابنها البار الذي بقي صامتا، ومتبتلا في محراب الشعر، يكتب بيده اليسرى، ويقول ما يريد على لسان زوجته إيماء لا تصريحاً.

على المثقفين العرب – بكل تأكيد- أن يعيدوا حساباتهم مجددا، إن مشهد منح هذه الجائزة الذي يتكرر في كل سنة، وما يدور حولها من لغط وحديث يضع كتابنا، وأدباءنا في مأزق «مفهومي» و»رؤيوي» ويكشف إلى أي مدى نحن معزولون، ومنغلقون حول ذواتنا، فكم من الأدباء استطاع ترجمة أعماله، أو إيصال صوته إلى بقاع العالم كما يفعل هاروكي موراكامي راهنا، وهو بالمناسبة مجرد مثال، كم من أدبائنا يكتب استجابة لصوته الداخلي فحسب، وليس بدافع «منفعي» أو سياسي، كم من أدبائنا يؤمن بما يكتب بعيدا عن الشللية، والفئوية الضيقة التي لا تخلو كذلك من حروب صغيرة. لسنا نزعم انتفاء هذا النوع من الكتاب عن ثقافتنا العربية، ولكنهم قلة لا صوت لهم على مستوى المنتديات الثقافية العالمية، ودور النشر التي تبلغ ميزانياتها عشرات الملايين، وتترجم الأعمال المهمة إلى بقاع الدنيا.

أدونيس وحده استطاع أن يصل إلى هذه المكانة العالمية، وهو جدير بالجائزة، منحت له أو حجبت عنه، بل هو في مكانة عالمية تسبق كثيرا من أدباء نوبل الذين منحوها في السنوات الماضية، لسنا نتمنى أن يتحول أدونيس إلى إيقونة تختزل الثقافة العربية برمتها، بل هو واحد في أمة كبيرة، مبدعوها متنوعو المشارب والأهواء، وعلى الرغم من كل ما منحه أدونيس إلى الثقافة العربية من زخم عالمي، من مشرق الشمس إلى مغاربه، إلا أننا نتمنى أن يكون هناك مبدعون آخرون يُشار إليهم بالبنان، سواء على صعيد هذه الجائزة أو المحافل الدولية الأخرى، إن حصر اللغة العربية برمتها بمرشح واحد لهذه الجائزة فيه ظلم كبير للثقافة العربية، التي تختلف «فنيا وتقنيا» في مغربها العربي عن مشرقها، ثقافة أصبح لها طفرة روائية لافتة في السنوات الأخيرة، إضافة إلى الشعر الذي هو فنها الأول وامتدادها التاريخي الراسخ أصالة وتكوينا. ثقافة تفتح أحضانها في انتظار «نوبل»، فهل تجيء في السنة المقبلة.