اختر مقعد القيادة!

نشر في 08-03-2012
آخر تحديث 08-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري لا تكن في رحلة حياتك مجرد راكبا، كن قائد الرحلة، أو على الأقل مشاركا في القيادة وذلك أضعف الإيمان!

"دع القيادة لنا وتمتّع بالرحلة"... جملة نصادف الكثيرين في حياتنا ممن يقدمونها لنا على طبق من إغواء... ورائحة زكيّة معطرة "بهيل" المكر، ولكن إذا وقعنا في فخّ العبارة سُلبت خياراتنا من إيدينا، ووضعنا طوعاً عنان مصائرنا في إيدي سوانا، يقودنا حيثما يريد لا حيثما نريد.

إذا أصبحنا مجرد ركّاب في رحلة حياتنا، فإن من يقودها سيفرض علينا المقعد الذي سنجلس عليه، والشباك الذي نرى من خلاله، فنشاهد من السماء ما يحب هو أن نشاهد، ومن ربيع الأرض أو يباسها ما يحب هو أن نرى.

سينتقي نيابة عنا ما نرى من الرمل، والأشجار، والزهور، ومرافئ البحر، والأسماك، ومراكب الصيادين وأغانيهم المغزولة بطعم الملح، والمارة في الشوارع، وقرميد البيوت، والباعة المتجولين، وسيختار نيابة عنّا حتى الصحف التي نقرأها خلال رحلة حياتنا ونشرات الأخبار!

وعندما يهوي قطار حياتنا إلى الهاوية، سنفتش أثناء السقوط وسنفاجأ بأن عربة القيادة خاوية، إذ قفز القائد منها منذ لا نعرف متى، وتركنا نواجه مصيرنا المحتوم وحدنا، ووحدنا فقط من سيدفع فاتورة ذلك الحادث المأساوي.

سيغيظنا حتما بعد موتنا أننا لم نكن المتسببين في تلك النهاية، ولم نخترها، ولم نشارك في صناعتها، إذ كنّا مجرد ركّاب ذنبهم الوحيد أنهم حاولوا الاستمتاع بالرحلة بعد أن تطوّع أحدهم بقيادتها نيابة عنا.

نصرخ بأعلى أصواتنا بعد موتنا أن هذه الحياة تعود ملكيتها فعلا لنا، ولكن الحقيقة لا ناقة لنا ولا جمل فيها، فلماذا ندفع فاتورة تحطمها؟!

لن يصغي لنداءاتنا أحد، ولن يستمع أحد لتوسلاتنا، ولن يرأف بقلوبنا المفطورة أحد،

سنحملق في الوجوه المكتظة حولنا والتي تجمهرت للفرجة علينا لعلنا نعثر بينها على ذلك الذي قاد رحلة حياتنا لنصرخ: هذا هو... هذا هو المتسبب، هذا من عليكم إدانته، وهذا من يتوجب عليكم إرغامه على دفع الفاتورة، إلا أننا لن نجده بين الوجوه التي يبتسم بعضها شماتة، وبعضها يحمل علامات الشفقة علينا في الوقت الذي يحمّلنا مسؤولية غبائنا!

بعضنا يسلّم قيادة حياته لغيره ليس رغبة في الاسترخاء والتمتّع بالرحلة، ولكن هروبا من مسؤولية القيادة وأعبائها التي تتطلب الكثير من الجرأة المصحوبة بالحذر وبعض الذكاء.

نعم الحياة تتطلب بعض المغامرة، وتتطلب انتباها دائما للمنعطفات الخطرة، والصبر والجلَد، ومعرفة متى يجب عليك أن تتوقف لأخذ قسط من الراحة، ومتى يتوجب عليك إكمال المسير، علما بأن كل ذلك لن يقيك شر الإخفاق، إلا ان الإخفاقات جزء من رحلة الحياة، ولكن بعض منا يظن أنه سيتجنّب هذه الإخفاقات أو على الأقل مسؤوليتها من خلال تسليم قيادة رحلة حياته إلى شخص سواه.

متعة الحياة الكبرى هي أن تصل أنت بحياتك إلى حيث تريد، لا أن يقودك إلى ذلك سواك.

لا بد أن يقود كل منّا رحلة حياته بنفسه حتى لو كان الجحيم محطته الأخيرة، ذلك خير من أن يقودها سواه حتى لو ادّعى معرفة بخارطة الطريق إلى الفردوس!

back to top