منذ ما يزيد على العقد من الزمن، وأنا مسكون بهاجس قراءة ومتابعة الأعمال الإبداعية الشبابية في الكويت، وفي مختلف أبواب الإبداع، قصة ورواية وشعراً ومسرحاً، إضافة إلى عشقي للوحة التشكيلية والفيلم الوثائقي والروائي الشبابي. وعلى الدوام بقيت حريصاً على الوصل والتواصل بالكتاب الجدد، بغية التعرف على عوالم أعمالهم الإبداعية التي تستحق الإشارة والإشادة، وكذلك الوقوف على الهموم التي تشغل بالهم حياتياً وكتابياً. ويأتي هذا الاهتمام والمتابعة، لا لشيء إلا لقناعتي بأن وصلاً إنسانياً وثقافياً رصيناً ومستمراً بين مختلف الأجيال في الكويت سيكون ضرورياً وملحاً ليس لجيل الشباب فقط، بل كذلك بالنسبة لجيل الرواد، أو من قطعوا شوطاً طويلاً على طريق الكتابة والنشر والانكشاف على الساحة الثقافية محلياً وخليجياً وعربياً.
إن رعاية المواهب الشبابية أمر ضروري، لأن أي نبتة إبداعية بحاجة لمن يتبنى رعايتها ويتعهدها بالسؤال والاهتمام والنصح والتوجيه، حتى تأتي ثمارها وتؤكد حضورها الإبداعي. لقد غدت الرواية الجنس الإبداعي الأكثر حضوراً على مائدة القراءة حول العالم. واستطاعت أن تستقطب لعالمها قامات إبداعية وشعرية وقصصية ومسرحية كبيرة. وربما مرد ذلك يعود إلى ان إنسان القرن العشرين والواحد والعشرين، يعيش في عجلة يومية سريعة ومتغيرة ومعقدة ومضطربة، مما يجعل حياته سلسلة من المواقف الراكضة التي لا يكاد يقف أمامها ويتملى في طبيعة حدثها. لهذا تأتي الرواية، بامتداد حدثها أفقياً وعبر سعة زمانية، لتعوض الإنسان جزءاً من لهفته على فهم الواقع، ولتقدم له عوناً وخبرة حياتية تعينه على تدبر شؤون حياته الحقيقية، وهذا هو ديدن الفن الأصيل، في قدرته على خلق أبطال وشخوص يعيشون في حياة الفن، ليفسروا فن الحياة. لقد حصد جنس الرواية، الغلة الأكبر من اهتمام النقاد والدارسين، وجاءت الدراسات الروائية النظرية، وكذلك تطبيقاتها العملية على النصوص الروائية، في مختلف بلدان العالم، لتقدم فهماً جلياً عن فنية وشروط الرواية، ولتبطل الرأي القائل إن الموهبة وحدها قادرة على إنضاج العمل الروائي، بل إن الأبحاث والدراسات الروائية، تؤكد يوماً بعد يوم ضرورة تناول الكتابة الروائية بوصفها علماً أدبياً له أصوله وقواعده، ويتطلب موهبة ووعياً يتحلا بهما الكاتب، وهذا ما جعل عدداً كبيراً من جامعات ومعاهد العالم، يقدم ورشات عمل إبداعية، يديرها ويحاضر فيها أهم الروائيين والنقاد المتخصصين. ويستفيد منها كل من وضع نصب عينه كتابة نص روائي مبدع. "بحوث في الراية الجديدة" تأليف ميشال بوتور "Michel Butor" ترجمة فريد أنطونيوس، عن دار عويدات، يعتبر واحداً من المراجع الأساسية في الرواية الحديثة، فالمؤلف يتناول بالشرح عناصر وشروط ومقومات الرواية، متطرقاً إلى علاقة الرواية كفن بالحياة، وعلاقة الروائي بنصه الروائي من جهة، وبالقارئ من جهة ثانية: "إن تطبيق الرواية على الحقيقة أمر بمنتهى التعقيد. وليست واقعية الرواية التي تتمثل كجزء خادع من حياتنا اليومية سوى مظهر خاص منها، مما يسمح لنا بعزل الرواية كنوع أدبي مستقل" ص9 في الكويت، تقدمت أكثر من كاتبة وكاتب روائي شاب برواية أولى، وهذا شأن يدعو للفرح والتفاؤل، ولكن ومن خلال متابعتي لتلك الأعمال، فإن بعضها قد توافرت به العناصر الضرورية لفن الرواية، بينما جاء البعض الآخر مفتقداً ذلك، لذا أرى ضرورة أن يتسلح الروائي الشاب بالكتب النظرية عن الرواية، وكذلك ضرورة قيام المؤسسة الثقافية الرسمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكذلك المؤسسة الأهلية، ورابطة الأدباء، بعمل ورش إبداعية لكتابة الرواية، وبما يزيد صقل المواهب الشبابية، ويكون عوناً لها لكتابة نص إبداعي تفاخر به، ونسعد نحن بمتعة قراءته.
توابل
الرواية والشباب في الكويت
15-11-2011