تحت عنوان "الثمن الذي دفعته مصر لإصلاح سياسي زائف" قلت في مقالي المنشور على هذه الصفحة يوم الأحد 28/8/2011 إن الثمن الذي دفعته مصر لإصلاح سياسي زائف هو اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس بالاستفتاء، كان ثمناً باهظاً وهو إلغاء الإشراف القضائي الكامل على انتخابات الرئاسة، قاض لكل صندوق، في الاستفتاء الذي أقر تعديل المادة (76) من الدستور في 25/5/2005، عندما عهد هذا التعديل إلى لجنة شكلها من بعض رجال القضاء وغيرهم بالإشراف على انتخابات الرئاسة، لتكون لها الكلمة العليا في هذه الانتخابات ترشيحاً وفرزاً للأصوات وإعلاناً للنتائج، بل لتصبح هذه اللجنة خصماً وحكماً فيما يعرض عليها من طعون في انتخابات الرئاسة، فقد حصن التعديل الدستوري قرارات هذه اللجنة من الطعن عليها أمام أي جهة قضائية، تمهيداً لإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية.
الاستهانة بالدستوروالواقع أن التعديل الدستوري للمادة (76) الذي تم إقراره في ما جرى من استفتاء عليه في 25 مايو سنة 2005، إنما كان يمثل أقصى درجات الاستهانة بأحكام الدستور من النظام القائم وقتئذ، شجعه على مزيد من التعديلات الدستورية في عام 2007، حيث جرت مناقشة هذا التعديل في مجلس الشعب في جلسة ماراثونية لم تستغرق سوى أربع ساعات، حيث منح المجلس دقيقتين للعضو الذي يريد الكلمة في هذا التعديل، خفضت بعد ذلك إلى دقيقة واحدة، لإنهاء المناقشات في أسرع وقت ممكن، ولكي يعلن رئيس المجلس نتيجة التصويت:405 نواب قالوا: نعم34 نائبا قالوا: لا3 نواب: امتنعوا عن التصويتوكان 12 نائبا قد غابوا عن المشاركة في هذه الجلسة الماراثونية.قيود على الترشيح لانتخابات الرئاسةوكانت المادة (75) من الدستور تشترط في من يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية، في وقت كان يجري استفتاء على ترشيح مجلس الشعب لشخص واحد، توافق على ترشيحه أغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشعب، وفقاً للمادة 76 من الدستور.فجاء التعديل الدستوري للمادة (76) ليجري انتخاب الرئيس من بين مرشحين متعددين، يشترط حصول كل منهم على:1- تأييد مئتين وخمسين عضوا من الأعضاء المنتخبين لمجلس الشعب والشورى والمجالس المحلية.2- ألا يقل عدد المؤيدين من أعضاء مجلس الشعب عن 65 عضوا.3- ألا يقل عدد المؤيدين من أعضاء مجلس الشورى عن 25 عضوا.4- ألا يقل عدد الأعضاء من المجالس الشعبية المحلية عن 10 أعضاء من كل مجلس شعبي محلي، من أربع عشرة محافظة على الأقل.5- ألا يكون من بين المؤيدين للمرشح، من أيدوا مرشحا آخر.«تمخض الجبل فولد فأراً»هكذا تمخض الإصلاح السياسي الذي وعد به الرئيس السابق حسني مبارك في مبادرته التي ضمنها خطابه الذي ألقاه في فبراير 2005، عن تعديل للدستور بما يسمح بتداول السلطة، باستمرار قبضته على حكم البلاد، أو كما يقال "تمخض الجبل فولد فأراً".الأحزاب تبتلع الطعمإلا أن التعديل ا لدستوري للمادة (76) فيعام 2005، استثنى الأحزاب التي مضى على تأسيسها خمس سنوات على الأقل في العاشر من مايو 2005 من القيود المفروضة على الترشيح لرئاسة الجمهورية، إذا رشحت أياً من أعضاء هيئاتها العليا.وابتلعت الأحزاب الطعم فتقدم للترشيح من الهيئات العليا لهذه الأحزاب عشرة مرشحين من بينهم:أيمن نور النائب في مجلس الشعب، ورئيس حزب الغد الذي حصل على أصوات تزيد على ضعف الأصوات الصحيحة التي حصل عليها الرئيس حسني مبارك، قبل التزوير الذي قامت به سلطات الأمن، لتظهر النتيجة كما أرادها النظام فوزاً ساحقاً للرئيس حسني مبارك.وكان الثمن الذي دفعه أيمن نور هو الزج به في السجن ليقضي عقوبة الحبس خمس سنوات مداناً بجريمة تزوير توكيلات صادرة له لتأسيس حزب الغد قبل ما يقرب من خمس سنوات.كما كان من بين هؤلاء المرشحين العشرة الذين حصل كل واحد منهم على نصف مليون جنيه من المال العام للقيام بالدعاية الانتخابية، أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة، الذي استضافته إحدى الفضائيات لسؤاله عن برنامجه الانتخابي.فوجهت إليه المذيعة سؤالاً بسيطا وساذجاً هو: لمن سوف تعطي صوتك، فأجابها وبراءة الأطفال في عينيه: "للرئيس حسني مبارك طبعاً".ولا أعرف إن كانت هذه الإجابة خروجاً على أصل النص في المسرحية الهزلية التي جرت في أول انتخابات للرئاسة تجرى في مصر بعد التعديل الدستوري، أم أنها كانت جزءا من النص الأصلي.تعديل آخر للمادة 76وعندما عدل الدستور مرة أخرى في 26 مارس سنة 2007، قرر التعديل أن يستمر استثناء الأحزاب من القيود المقررة على الترشيح للرئاسة بالشروط التي حددها وهي:1- أن يكون الحزب قد حصل في آخر انتخابات برلمانية قبل فتح باب الترشيح على نسبة 3% على الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في مجلس الشعب والشورى أو ما يساوي ذلك في أحد المجلسين.2- أن تكون قد مضت على من يترشح للرئاسة من هيئتها العليا سنه متصلة على الأقل في هذه الهيئة قبل فتح باب الترشيح، حتى لا يفاجأ النظام بحزب من الأحزاب يضم أحد الرموز الوطنية إلى هيئته العليا لترشحه لانتخابات الرئاسة.وكان من هذه الرموز التي تلوح في الأفق عمرو موسى لمواقفه القومية، إبان عمله وزيراً للخارجية، والتي جعلت النظام السابق يتخلص منه بترشيحه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية.طُعم آخر للأحزاب القائمةوكان الطُعم الجديد الذي أعطاه التعديل الدستوري سنة 2007 للأحزاب القائمة هو استثناؤها من حصولها على نسبة الـ3% من مجموع مقاعد المجلسين، اكتفاءا بحصولها على مقعد واحد في أحد المجلسين في آخر انتخابات برلمانية، ويسري هذا الاستثناء لمدة عشر سنوات اعتباراً من أول مايو سنة 2007.ولكن الأقدار شاءت لهذا الشعب العظيم أن يصحو من غفوته ولهذه الملايين التي ظلت تقاطع صناديق الاستفتاءات والانتخابات أكثر من نصف قرن أن تحطم أحلام النظام السابق في السيناريو الذي أعده لإعادة انتخاب الرئيس السابق حسني مبارك في سبتمبر 2011، تمهيداً لتوريث نجله جمال الحكم بعد أن يتخلى الرئيس عن الرئاسة لظروف صحية عندما يضمن موافقة المؤسسة العسكرية على التوريث وهي المؤسسة التي كانت تعارض فكرة التوريث منذ البداية.
مقالات
ما قل ودل: الأحزاب المصرية وانتخابات الرئاسة
18-09-2011