لأنه من المستحيل تغيير التاريخ والجغرافيا، فلا سبيل أمامنا سوى نشر ثقافة التعاون والتعايش السلميين بين الشعبين الكويتي والعراقي، خصوصاً بعد سقوط نظام الطاغية صدام، مع عدم الالتفات إلى الأصوات المتطرفة من الجانبين والتي من المؤسف أنها لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة الآنية على حساب المصالح الوطنية البعيدة المدى.
صادفت يوم أمس الذكرى المؤلمة الحادية والعشرون للغزو العراقي الغاشم لوطننا والتي نتذكر فيها أول ما نتذكر شهداءنا الأبرار الذين دفعوا أرواحهم فداء لحرية الوطن الغالي واستقلاله، ومن المؤسف أن تمر هذه الذكرى المؤلمة كل عام من دون أن تفعل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني شيئاً يحيي ذكراهم وبما يليق بدورهم البطولي.كما نتذكر أيضاً البطولات الشجاعة للمقاومة الكويتية الباسلة، والمواقف المشرفة للشعب الكويتي قاطبة الذي قاوم قوات الاحتلال الغاشم بكل شجاعة أفقدت هذه القوات ثقتها بنفسها بعد أن لمست التلاحم الوطني لمكونات شعبنا قاطبة، ودفاعه البطولي عن حرية وطنه وسيادته وتمسكه بالشرعية الدستورية التي عبر عنها أيما تعبير في مؤتمر جدة في أكتوبر 1990.استذكار جريمة الغزو العراقي الغاشم يجب ألا يجعلنا أسرى للذكريات الأليمة، فكثير من دول العالم شهدت عبر تاريخها حروباً مدمرة لكنها تجاوزتها، وركزت بدلاً من اجترار لغة الكراهية والثأر على عملية البحث عن المصالح المشتركة وتنميتها، وخير شاهد على ذلك العلاقة الحالية بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان رغم الدمار الذي خلفته القنبلة الذرية التي استخدمتها أميركا في تدمير مدينتي "ناغازاكي" و"هيروشيما" اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية.ولأنه من المستحيل تغيير التاريخ والجغرافيا، فلا سبيل أمامنا سوى نشر ثقافة التعاون والتعايش السلميين بين الشعبين الكويتي والعراقي، خصوصاً بعد سقوط نظام الطاغية صدام، مع عدم الالتفات إلى الأصوات المتطرفة من الجانبين والتي من المؤسف أنها لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة الآنية على حساب المصالح الوطنية البعيدة المدى.وفي هذا السياق، فمن الطبيعي جدا أن يحصل بين الدول خلافات في وجهات النظر حول قضايا محددة مثل قضية ميناء مبارك الكبير الذي تعتزم الكويت إنشاءه في الأراضي الكويتية (جزيرة بوبيان)، أي ضمن حدود سيادتها الوطنية التي لا يحق لأي دولة التدخل فيها، لكن على ما يبدو فإن للعراق بعض التحفظات التي قد لا تكون في محلها، لكن يجب أن تبحث بالطرق السياسية والدبلوماسية؛ من خلال لجان مشتركة بما يتماشى مع القوانين الدولية واحترام استقلال البلدين وسيادتهما الوطنية؛ بعيداً عن المزايدات الإعلامية الفارغة التي لا يمكن أن تبني علاقات وطيدة بين الدول.من جانب آخر، فإنه من المفترض أن تكون الحكومة أكثر شفافية، فتبين للشعب الكويتي الجدوى الاقتصادية والسياسية من إقامة ميناء مبارك الكبير، خصوصا إذا ما استمر التحفظ العراقي، فمن المرجح جداً أن تقل الجدوى الاقتصادية للميناء إذا رفض العراق التعاون، وقد يكون هناك تداعيات سياسية معينة ستحيي بؤر التوتر في المنطقة على المديين المتوسط والبعيد، وهو الأمر الذي لن يكون في مصلحة دول المنطقة وشعوبها التي استنزفت ثرواتها، وعانت الويلات خلال العقود الثلاثة الماضية من الحروب الساخنة والباردة على حد سواء.
مقالات
ذكرى الغزو الأليمة
03-08-2011