إن عودة شبح التأزيم في علاقة السلطتين واستمرار دوامة الاحتراب الاجتماعي، باتت هي الخيار الأقرب في ظل استمرار المعارضة بنفس خطابها المحتقن ونمط تحركها الذي تطور لأخذ «الحق» باليد واستمرار «المحركات» الكبيرة من خارج المشهد في العبث بحياتنا الديمقراطية، وأخيرا استمرار السلطة في «التفرج» والتباطؤ في الحسم.

Ad

اليوم بالتحديد لا أحد يسمع أو يقرأ لأن الانتخابات هي الشغل الشاغل، ولكني سأحاول أن أقول ما لدي لملح الأرض والجنود المخلصين الذي يعملون بصمت لتغيير واقعنا المريض دون أن نراهم أو نشعر بوجودهم، كما أني لا أنكر خجلي من استعمال كلمة يأس بوجود الدكتور أحمد الخطيب- أطال الله في عمره وأمده بوافر الصحة- الذي حمل لواء الأمل وجال فيه على الساحة الانتخابية ليبث الخطاب الوطني الخالص، ويستخرج الجندي الكامن في صدر كل إنسان بكلمات تقطر مصداقية.

كيف لنا أن نصمت اليوم ونخفي توقعاتنا؛ ليس فقط لصورة البرلمان القادمة ولكن لمستقبلنا على المدى القصير، وأول تلك التوقعات هو تراجع تمثيل الصوت الوطني الديمقراطي في المجلس القادم، لغياب التنسيق بين مرشحيه، وابتلاع خطاب الكراهية والاحتقان لكل خطاب آخر يحمل رؤية أو كلمة تجمع ولا تفرق، بمعنى آخر إذا لم يكن لديك موقف معلن من الطائفة أو الفئة الأخرى فلن تنال صوتنا.

الأمر المثير للانتباه هو مجموعة القناعات التي ترسخت لدى الكثير، مثل هذا المجلس عمره الافتراضي ستة أشهر؛ لأن من هو خارج اللعبة أعاد ترتيب صفوفه، ويريد خوض معركة تكسير عظام لكل ما هو موجود حتى يصل إلى مبتغاه، وهو العودة إلى المشهد السياسي ومن أرفع مواقع المسؤولية، وأول أهدافه في هذه الحملة الانتخابية هو "حصد" أكبر عدد من النواب في جيبه العلوي للإمساك بدفة القيادة، ووفقاً لما يصلنا من أخبار فقد "باس" الأيادي مجموعة من النواب السابقين وبعض المرشحين الحاليين.

مثل هذه القناعة التي يروّج لها اليوم تجعل الواحد منّا يسأل: هل يملك شخص واحد فقط كل هذه القدرة على التغيير؟ مع الأسف رغم أني حاولت صدّ مثل هذه الأنباء فإن هناك من أحبط واستسلم لها.

قناعة أخرى تتعلق بمخرجات الدائرة الثالثة، وبرأيي هذا الأمر ارتبط بأداتين خطيرتين هما استطلاعات الرأي، والهالة الإعلامية التي صورت للناس ارتفاع حظوظ بعض المرشحين، ولأن الأداة الأولى لديها سوابق صحيحة، ولأن الثانية نقلت إلى المشاهدين صورة "حية" لجمهور حقيقي يتقدمه من كان يجلس مع الملوك والسلاطين، هزم البعض من داخل نفسه وأصيب آخرون بالذعر، ولأن الساحة تخلو من العقلانية والإعلام المسؤول تفشى وباء التسليم بالأمر الواقع، وفقد بعض المخلصين الرغبة في العمل.

يتبقى لي هنا كلمة للمعارضة بمكوناتها الدينية والقبلية: لقد مارسنا النقد الإيجابي لأسلوبكم من قبل، وأيدناكم في القضايا التي تمس مصلحة الوطن دون تردد، ولكنكم مع الأسف أوغلتم في الخطاب المتشنج في التعامل مع كل قضية ورأي مخالف لكم حتى مع النواب القريبين منكم في المواقف، وتمادى بعضكم في التجاذبات الطائفية والقبلية لأغراض انتخابية مكشوفة، وصنعتم من أنفسكم نماذج لا ترقى إلى النقد أو المساءلة مهما أخطأت ومهما تناقضت، وخلقتم لنا ولكم موجة رد فعل عنيفة أفقدت الناخبين "رشد" الاختيار.

في الختام فإن عودة شبح التأزيم في علاقة السلطتين واستمرار دوامة الاحتراب الاجتماعي، باتت هي الخيار الأقرب في ظل استمرار المعارضة بنفس خطابها المحتقن ونمط تحركها الذي تطور لأخذ "الحق" باليد واستمرار "المحركات" الكبيرة من خارج المشهد في العبث بحياتنا الديمقراطية، وأخيرا استمرار السلطة في "التفرج" والتباطؤ في الحسم.