تعرضت معظم التشريعات الاقتصادية التي صدرت في الكويت في السنوات الأخيرة، لانتقادات شتى من جانب عدد كبير من المتخصصين في الشأن الاقتصادي، ومن جانب مستثمرين ورجال أعمال يمتلك معظمهم خبرة طويلة في التعامل مع أنشطة الاستثمار المالي والتشغيلي في داخل الكويت وخارvجها، ويشغل العديد منهم مواقع قيادية في شركات كويتية كبرى. وتشير المحصلة العامة لهذه الانتقادات الى عدم محاكاة التشريعات الاقتصادية الكويتية لما يقابلها من تشريعات في بلدان خليجية أخرى تمكنت في زمن قصير وقياسي من تحويل بيئتها المحلية الى بيئة جاذبة للاستثمارات الوطنية ولرأس المال الأجنبي.
وتؤكد مقارنة معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي، التي سجلتها بلدان دول مجلس التعاون في السنوات العشر الماضية، صحة هذه الانتقادات، كما يستدل على صحتها من قراءة تقديرات روؤس الأموال الأجنبية التي استقطبتها هذه البلدان خلال السنوات العشر ذاتها، وفق ما أورده تقرير نشره البنك الدولي هذا الشهر، إذ لم تتجاوز قيمة ما استقطبته الكويت من استثمارات أجنبية 800 مليون دولار، في مقابل 150 مليار دولار للسعودية، و80 مليارا للإمارات.ويؤكد خروج العديد من الشركات والمشروعات الاستثمارية الوطنية من الكويت الى أسواق أخرى حقيقة البيئة الطاردة للاستثمار في الكويت، فقد اضطرت أكبر شركة كويتية مساهمة عامة من حيث القيمة السوقية، وهي شركة «زين» في عام 2007، الى البحث عن مقر بديل لها في البحرين أو دبي أو هولندا، بل ونتابع اليوم أن شركات وطنية تعمل في المجال الاقتصادي الوحيد ذي الميزة الاقتصادية المقارنة في الكويت، وهو صناعة البتروكيماويات، قد باتت مضطرة الى الخروج بمشروعاتها الى أسواق خارجية.فقد أعلنت شركة القرين لصناعة الكيماويات البترولية، التي تساهم فيها الدولة مساهمة غير مباشرة من خلال حصة شركة صناعة البتروكيماويات، وتدير استثمارات بقيمة تصل الى نحو 200 مليون دينار كويتي، نقل مشروع مجمع لإنتاج البولي إيثيلين تريفثاليت (PET) وحمض الترفثاليك النقي (PTA)، وهما مادتان تدخلان في تصنيع المنسوجات ومنتجات التعبئة والتغليف وقناني المياه والمشروبات الغازية، تصل قيمته الى مليار دولار من الكويت إلى مدينة الجبيل الصناعية بالسعودية، بسبب انتظارها دون جدوى ولأكثر من عامين تخصيص أرض للمشروع في الكويت.كما اضطرت شركة بوبيان للبتروكيماويات الى الاستحواذ على شركة عمانية متخصصة في إنتاج أنابيب البي في سي (PVC) والبولي إيثيلين، وعملت على توسعتها ومضاعفة إنتاجها، كما استحوذت على 60 في المئة من شركة سعودية للتغليف تقوم حاليا بتوسعة مصنعها في الجبيل، في الوقت الذي تعثر فيه مشروعها لتدوير النفايات في أمغرة بسبب ما وصفته الشركة بعدم تعاون بلدية الكويت معها.كذلك تعمل الشركة الكويتية الصينية حاليا مع شركاء سعوديين لإنشاء مصنع في المنطقة الشرقية تبلغ كلفته 40 مليون دولار سيعتمد في امدادات مواده الخام على شركة سابك ويصدر إنتاجه الى الصين.هذه الأمثلة هي غيض من فيض، فالى متى تستمر معاناة قطاع الأعمال الوطني سواء على صعيد صناعة البتروكيماويات، التي لا تتجاوز حصة الكويت منها على المستوى العالمي أكثر من 2 في المئة في مقابل 12 في المئة لدول مجلس التعاون، أو على صعيد الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وهل تتوافق هذه البيئة المحلية مع الهدف الاستراتيجي المعلن للبلاد، وهو تحويلها الى مركز مالي وتجاري عالمي أم مع الهدف المحوري للخطة وهو تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي المحلي؟ هذه أسئلة صارخة تكرر طرحها على موائد صناع القرار الاقتصادي في البلاد، فهل من يجيب؟!* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
مقالات
وجهة نظر : هذه البيئة الطاردة...كيف ولماذا وإلى متى؟
18-12-2011