نصف حرية... نصف ديمقراطية
كتلة المعارضة، بلا خريطة طريق واضحة، لن تخرجنا من هذا النفق المظلم... وسنبقى محبوسين في هذا النفق البارد المنهك مادامت البوصلة معطلة، وبعيداً عن دغدغة المشاعر بعنتريات الخطابة التي ما قتلت ذبابة، على حد تعبير نزار قباني، فإن كلمة نهج تتردد على ألسنة كتل المعارضة، سواء كتلة المقاطعة أو كتلة العمل الوطني، إلا أنهم لم يحددوا بعد أي نهج يريدون، ولم يصيغوا بعد معالمه وملامحه.فلا مجال اليوم للمجاملة والمواربة. يجب أن نقولها صراحة: نصف ديمقراطية تعني اللاديمقراطية ونصف الحرية تعني اللاحرية، ودستورية القوانين لا تعني بالضرورة ديمقراطيتها، لذا ما نريده حقاً هو معارضة فاعلة لا عشوائية؛ معارضة تسعى إلى استكمال المشروع الديمقراطي عبر ما أقره الدستور "إلى مزيد من الحريات"... ذلك أن الحرية والديمقراطية صنوان لا يفترقان.
هناك عائقان يقفان في طريق هذا الحراك السياسي، وهو حراك مشروع، لكن ينقصه تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط.العائق الأول هو فوضوية العمل السياسي بسبب غياب قانون ينظم الأحزاب السياسية، لذلك لا نرى تحركاً "راديكالياً" من قبل كتلة العمل الوطني باتجاه استكمال شروط الديمقراطية عبر برنامج واضح ومفصل وذلك بسبب تفاوت آراء أعضائها في ما يتعلق بالحريات.أما العائق الثاني فيكمن في اعتلال مفهوم الحرية في أذهان شخوص من يحملون لواء المعارضة وفي انفصامهم السياسي... فإذا كان عنوان الأزمة السياسية الحالية هو توسيع الحريات بعد أن بلغ انسداد الأفق مبلغه، فإن الحريات التي يطالبون بها، لاسيما تيار الإسلام السياسي، هي حريات سياسية لا اجتماعية، أي نصف حرية، والديمقراطية لا تعترف بأنصاف الحريات، إنما هي حريات سياسية اجتماعية كل لا يتجزأ... فلا يمكن أن يكون أعداء الحرية أصدقاء الديمقراطية، إذ إن تكبيل الحريات هو تكبيل للديمقراطية، لذا تنعدم الثقة لدى كثير من الناس في شخوص وتيارات حاملي شعار الديمقراطية وتياراتها التي تحالفت حيناً من الدهر مع السلطة، وسلبت الحريات واغتالت الدستور الذي تمشي اليوم في جنازته، وفرضت الضوابط المتشددة، وسعت لتعديل المادة الثانية من الدستور، وصفقت لحبس أول سجين رأي، وهو د. أحمد البغدادي رحمه الله، وسيّست التعليم وأججت الطائفية.فكيف نبرئ مسؤولية الوجه الآخر للاستبداد والفساد من مساهمته مع الحكومة في تصلب شرايين ديمقراطيتنا. وبالرغم من الاتفاق مع الأهداف الآنية، وهي إسقاط الحكومة الفاسدة، فإن التغيير الحقيقي يتطلب رؤية منهجية شاملة تكون أكثر وضوحاً بصياغتها حزمة من الإصلاحات السياسية كتفعيل فصل المؤسسات السياسية، فلا يمكن أن تستقيم الديمقراطية مع تركيز السلطات في سلطة أبوية واحدة، الأمر الذي عطل دور المؤسسة الديمقراطية في الرقابة والمحاسبة، إضافة إلى ضرورة سعيها لإقرار قانون ينظم الأحزاب السياسية وتفعيل آلية الرقابة الدستورية على دستورية القوانين التي تشرع كي نعالج تجاوز السلطتين على الدستور وحرياته.نعم، نحن مع توسيع هامش العمل السياسي المنظم، لأن فتح أبواب الديمقراطية الموصدة بشكل تدريجي أقل ضرراً من كبح تطورها الطبيعي وإغلاق أفقها، ولأنها تظل ملاذنا الوحيد كي تعالج نفسها بنفسها، إلا أننا يجب ألا نقف عند الحريات السياسية فقط، بل يجب أن نسعى لاستكمالها بالحريات المدنية والاجتماعية، فكما أننا ضد توجهات الحكومة بفرض نصف ديمقراطية، فإننا ضد توجهات المعارضة بفرض نصف حرية.***الحرية للمغردين