برحيل القذافي بعد بن علي ومبارك تكون الثالثة ثابتة بانتصار الشعوب العربية على طغاتها، ويكون الدور قادما لا محالة على جلاد آخر مرشح للسقوط أمام إرادة الشعب، فهل يتعظ ويتعلم ويتدبر الطغاة؟!

Ad

42 عاما قضاها القذافي في حكم ليبيا بالحديد والنار، عاث فيها فسادا ودمارا وتخريبا، ليتحول بلده ذو الثروة النفطية الهائلة إلى شبه دولة تفتقد أبسط البنى التحتية، وشعبه فريسة للتجهيل والعزلة والتهميش، 42 عاما قضاها وهو ينكل ويعذب كل صوت معارض لسياساته، أو يطالب بأبسط حقوقه كمواطن... أو حتى كإنسان!

الطغاة، وما أكثرهم في عالمنا العربي، لم يروا يوما في شعوبهم سوى أنهم مجموعة من العبيد خلقوا لتلبية احتياجاتهم النرجسية المريضة في الشعور بالعظمة، فمن العراق "العظيم" أيام صدام حسين إلى الجماهيرية "العظمى" زمن القذافي، بنى هؤلاء المجانين "بالكلمات" عظمة بلدانهم التي تفتقد أبسط مقومات الدولة، ويعيش شعوبها تحت مستوى الفقر... وفوق مستوى القهر!

خطورة الطغاة لا تكمن في تدمير البلدان، لكنها تكمن في تدمير الإنسان من الداخل وتحويله إلى آلة ركوع دائمة لذات الطاغية، تسبح بحمده وتدعو له بطول العمر كي يسرق عمرها، فإن أصاب آلة الركوع يوما عطل ولم تركع، يكون الإعدام مصيرها... ومصير كل من اقترب منها!

ورغم أن لكل طاغية عربي سمات وأمراضا وعقدا نفسية تميزه عن الآخرين، لكن سقوطهم، الواحد تلو الآخر، أثبت أنهم يشتركون في صفة واحدة هي "الحرمنة"، فكلما تم القبض على أحدهم ذهل الناس من كم المليارات التي سرقها، وبأنه "عظيم" في اللصوصية وحدها، لم يسرق مال الشعب فقط، إنما سرق روحه وكرامته وإنسانيته!

مات القذافي ميتة الذل، مات بيد من سألهم يوما: من أنتم؟ مات بقسوة تشبه قسوته، مات ميتة يستحقها، لا نستطيع بأي حال لوم من قتلوه من الثوار، فمثله لا يستحق محاكمة عادلة، لأنه ليس متهما بريئا حتى تثبت إدانته، بل هو الجريمة نفسها تتحرك على قدمين، والقضاء عليها ومنع وجودها ضرورة حتمية... وفي أسرع وقت ممكن!

في موت الطغاة، وكحالة استثنائية، الشماتة مستحبة وربما واجبة، والخسارة الوحيدة هي أنه بموته تموت أسرار قد تفضح كثيرا ممن اعتاشوا على قهر الشعوب واستفادوا من سحقها، خصوصا من مدعي الإنسانية وتحرر الشعوب ونشر الديمقراطية متى ما كانت في مصلحتهم... ووافقت مصالحهم!

والسؤال الآن، بعد سقوط "ملك ملوك إفريقيا"، يا ترى: ما الذي يدور في رأس الأسد وعبدالله صالح وباقي جوقة التجبر والاستبداد والعناد؟! هل يشعرون بقرب النهاية ويحاولون مصالحة شعوبهم وشراء ودها ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه؟! أم يستمرون في المكابرة والعناد حتى يروا النهاية المشؤومة؟!

نصحيتي أن يرحلوا بصمت كما فعل "بن علي" وينفذوا بجلودهم قبل فوات الأوان، فكل جيوشهم وشبيحتهم وأسلحتهم وثرواتهم وأبواقهم ومنافقيهم وعبيدهم والساجدين لهم خوفا وطمعا، لن يقفوا حائلا بينهم وبين انتقام الجياع والمحرومين والمقهورين والمنتفضين من تحت أقدام الزبانية والجلادين، ويا له من انتقام لو كنتم تعلمون، أما إن كنتم لا تعلمون، فاستحضروا روح القذافي واسألوها... كي تخبركم عنه!