شيء طيب أن نتضامن مع الشعوب المضطهدة ونعبر عن رفضنا المبدئي لأي انتهاك لكرامات الناس وحرياتهم في أي بقعة من العالم، لكن عندما يتعلق الأمر بالشأن الخارجي فإنه من الضرورة بمكان أن نأخذ في الاعتبار إمكاناتنا وظروفنا المحلية والمتغيرات الإقليمية والدولية كافة، حيث إن القفز عليها ومحاولة لعب دور أكبر بكثير من حجمنا وإمكاناتنا لا يسبب لنا الحرج إقليمياً ودولياً فحسب، بل سينعكس علينا سلباً في المستقبل أيضاً... فالعلاقات الدولية لا تحكمها العواطف الجياشة والنيات الحسنة والصادقة بل المصالح المتغيرة باستمرار. إننا نعيش في وسط إقليم مضطرب سياسياً وقابل للاشتعال في أي وقت، إذ لا يزال الوضع السياسي في العراق وسورية غير مستقر، ومن المحتمل، كما تشير بعض التقارير الغربية، أن تشتعل حروب أهلية في هاتين الدولتين ستكون نتائجها كارثية على المنطقة برمتها، كما أن هناك حرباً باردة بين محوري أميركا وإيران وتوابعهما بشأن مستقبل الشرق الأوسط، وما سيترتب على الوضع الحالي في كل من العراق وسورية.

Ad

علاوة على ذلك، فإن الأوضاع السياسية الداخلية غير مستقرة في الكثير من دول الجوار، وهو الأمر الذي يجعل من الحكمة والحصافة السياسية ألا نبالغ كثيراً في لعب أدوار أكبر من حجمنا وإمكاناتنا، ولا قدرة لنا على تحمل نتائجها وما يترتب عليها من تبعات سياسية، خصوصاً أن جبهتنا الداخلية غير مستقرة، بعد أن تعرضت في السنوات الأخيرة، ولا تزال، للتفتيت من قبل مجموعة من العنصريين والطائفيين الذين يبثون سمومهم ودعواتهم الممجوجة إلى الكراهية والبغض الاجتماعي، والتي من غير المستبعد أن يستغلها طرف خارجي لزعزعة أمننا الداخلي، كما حصل في فترة الثمانينيات أثناء الحرب العراقية- الإيرانية.

قصارى القول، أن الكويت ليست دولة عظمى من أولى مهامها تحرير الشعوب المضطهدة في العالم، لهذا فإن على بعض أعضاء المجلس والعاملين في المجال السياسي، خصوصاً أصحاب النزعات الطائفية الذين يكيلون بمكيالين، أن يتواضعوا قليلاً، فتضامننا مع شعوب العالم المضطهدة يجب أن يكون في حدود إمكاناتنا وضمن محددات سياستنا الخارجية التي ترسمها الحكومة ويراقبها مجلس الأمة، بما لا يضر أمننا الداخلي والخارجي. وفي السياق ذاته، فإنه من الضرورة بمكان العمل وبأسرع وقت ممكن على تماسك جبهتنا الداخلية المفككة حالياً، لأن أي تغيير سياسي مفاجئ في دول "الهلال" أو ضربة عسكرية لإيران سينعكسان مباشرة على وضعنا المحلي الذي تتجاذبه حاليا الاستقطابات الطائفية والدعوات العنصرية الممجوجة.