هل يقود الأزهر الجديد مصر إلى الحداثة؟

نشر في 06-07-2011
آخر تحديث 06-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي    لعل الأسس العشرة التي بنيت عليها "وثيقة الأزهر"، تصلح أن تكون المرتكز الأساسي للدستور المصري الجديد، الذي تنوي الدولة وضعه بعد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر القادم، والأهم من كل هذا، أن حاجز عدم الثقة بين الأزهر والمثقفين المصريين من حداثيين وطليعيين، قد انشق وانهار، من خلال جلسات الحوار الممتدة بين شيوخ الأزهر وهؤلاء المثقفين، لإعداد هذه الوثيقة.

- 1 -

لا شك أن الجامع الأزهر من المؤسسات الدينية ذات الأثر السياسي والاجتماعي الإيجابي، في معظم الأحيان، للعالم العربي والإسلامي، صحيح أن الأزهر بتاريخه العريق الممتد إلى ألف سنة ويزيد، والذي تأسس في القرن العاشر الميلادي (970-975م) قد شهد مراحل سلفية وأصولية، ولكنه شهد أيضا مراحل حداثية في مقياس تلك العهود، وكما قالت "وثيقة الأزهر" أخيراً، فقد لمع الأزهر وأبدع بشيوخه الحداثيين التقدميين الطليعيين أمثال الشيخ محمد عبده، ومصطفى عبدالرازق (شقيق علي عبدالرازق صاحب الكتاب الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، 1925). والشيخ مصطفى هذا من خريجي جامعة السوربون في الفلسفة الإسلامية، وأستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة القاهرة. كذلك، فإن الأزهر يعتز بشيوخه الحداثيين من أمثال حسن العطار، ورفاعة الطهطاوي، وأئمته المجتهدين من علمائه من أمثال الشيخ مصطفى المراغي، ومحمد عبدالله دراز، ومحمود شلتوت وغيرهم، من شيوخ الإسلام، وعلمائه، وقد قاد الأزهر مصر في عصور مختلفة ارتكازاً على أسس وأبعاد ذكرتها الوثيقة المذكورة، ومنها:

1- البعد الفقهي في إحياء علوم الدين وتجديدها، طبقاً لمذهب أهل السنّة والجماعة الذي يجمع بين العقل والنقل، ويكشف عن قواعد التأويل المرعية للنصوص الشرعية.

2- البعد التاريخي لدور الأزهر المجيد، في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية والاستقلال.

3- البعد الحضاري لإحياء العلوم المختلفة الطبيعية، والآداب، والفنون، بتنوعاتها الخصبة.

4- البعد العملي في قيادة حركة المجتمع، وتشكيل قادة الرأي في الحياة المصرية.

5- البعدُ الجامع للعلم، والريادة، والنهضة، والثقافة في الوطن العربي، والعالم الإسلامي.

- 2 -

واليوم، يعود الأزهر إلى سابق عهده في قيادة دفة الحياة في مصر الجديدة، بعد أن قادها سنوات عدة في العهد الملكي والعهد الجمهوري، وقد قالت "وثيقة الأزهر" الأخيرة التي تلاها شيخ الأزهر أحمد الطيب، من أن "التوافق قد تم على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مبادئ كلية وقواعد شاملة، تناقشها قوى المجتمع المصري، وتستبصر في سيرها بالخطى الرشيدة، لتصل في النهاية إلى الأطر الفكرية الحاكمة لقواعد المجتمع ونهجه السليم".

وتلت الوثيقة المذكورة المبادئ التي تحدد طبيعة المرجعية الإسلامية في المحاور التالية، وهي مبادئ حداثية في حد ذاتها، فيما لو فهمنا الحداثة على أنها قطيعة العلم التجريبي في القرن السابع عشر، مع التأملات الإغريقية المسماة علماً. أو قطيعة فلسفة الأنوار مع المعتقدات الظلامية، أو قطيعة العقل مع النقل. وهي قطيعة الديمقراطية مع الاستبداد، كما يقول المفكر التونسي العفيف الأخضر، أما المحاور التي تم بناء "الوثيقة" عليها، فهي:

1- دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة.

2- اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغةَ العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة، ومن تحديد للاختصاصات، ومراقبة للأداء، ومحاسبة للمسؤولين، أمام ممثلي الشعب.

3- الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والمرأة، والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع.

4- الاحترام التام لآداب الاختلاف، وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين، واستخدامه لبعث الفرقة، والتنابذ، والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن.

5- تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية، المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري، في عصوره المختلفة.

6- الحرص التام على صيانة كرامة الأمة المصرية والحفاظ على عزتها الوطنية، وتأكيد الحماية التامة، والاحترام الكامل، لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث.

7- اعتبار التعليم، والبحث العلمي، ودخول عصر المعرفة، قاطرة التقدم الحضاري في مصر، وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا في هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كله لمحو الأمية.

8- إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد، ومكافحة الفساد، والقضاء على البطالة، وبما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته في الجوانب الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية، والثقافية، والإعلامية. 

9- بناء علاقات مصر بأشقائها العرب، ومحيطها الإسلامي، ودائرتها الإفريقية والعالمية، ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ على استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور القيادي التاريخي على أساس التعاون على الخير المشترك، وتحقيق مصلحة الشعوب، في إطار من الندية والاستقلال التام.

10- تأييدُ مشروع استقلال مؤسسة الأزهر، وعودة "هيئة كبار العلماء" واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر، والعمل على تجديد مناهج التعليم الأزهري؛ ليسترد دوره الفكري الأصيل، وتأثيره العالمي في الأنحاء المختلفة.

- 3 -

وبعد، فلعل هذه الأسس العشرة، تصلح أن تكون المرتكز الأساسي للدستور المصري الجديد، الذي تنوي الدولة وضعه بعد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر القادم، والأهم من كل هذا، أن حاجز عدم الثقة بين الأزهر والمثقفين المصريين من حداثيين وطليعيين، قد انشق وانهار، من خلال جلسات الحوار الممتدة بين شيوخ الأزهر وهؤلاء المثقفين، لإعداد هذه الوثيقة، وهو ما أكده الكاتب المصري حلمي النمنم بقوله: " فإذا بهم (شيوخ الأزهر) يكتشفون أن أولئك العلمانيين ليسوا كفاراً، وأنهم يحترمون الأزهر، ويقدرون دوره التاريخي والوطني". وهذه المصالحة التاريخية بين الأزهر والمثقفين المصريين، هي التي تقود ركب الحداثة المصرية إلى الأمام، وهي العداوة المفتعلة السابقة بين الطرفين، التي أخَّرت الركب المصري عن بلوغ قافلة الحداثة الإنسانية.

* كاتب أردني

back to top