يحلو للبعض عندما يدور الحديث عن واقعنا السياسي وعند التساؤل عن كيف السبيل للخروج من هذه الأزمة، أو لنقل هذه الأزمات الخانقة، التي أطبقت علينا، أن يقولوا إن الإصلاح يبدأ من الفرد على مستواه الشخصي، وإنه لا صلاح ولا خروج من هذا الواقع المحبط الصعب إلا بالمرور عبر هذه القناة المحددة.

Ad

هذا الكلام جميل في ظاهره، وقد يبدو صحيحا للناظر غير المتعمق في المعنى والدلالة، لكن عند تمحيصه سنجد أنه ليس بصحيح على إطلاقه، بل لعله أشبه ما يكون بالحق الذي يراد به باطل، أو كأنه تعليق للحل بشرط مستحيل التحقق!

نعم، صحيح أن وعي الفرد ورشده وصلاحه مهم جدا، لكن أهميته الراسخة تكون على المستوى الفردي، بمعنى أن صلاح الفرد ووعيه يكون لأجل فائدة نفسه، وعندما نوجه النصيحة للفرد بأن يتعلم ويعي ليصلح فإننا لا نأمل من ذلك أن نصل إلى مرحلة صلاح المجتمع بأسره فردا فردا، ولا حتى غالبه، لأن صلاح البلاد لا يناط بتحقق هذا الشرط المستحيل أبدا، والتاريخ لم يشهد  يوما قيام مدينة فاضلة كل أفرادها من الصالحين، ولا حتى مدينة أغلب أفرادها كذلك، اللهم في فكرة اليوتوبيا والروايات الخيالية التي قامت عليها كالشانغريللا وغيرها.

لكن التاريخ، في الكفة الأخرى، قد شهد، ولأكثر من مرة، في القديم والحديث، في بلاد الإسلام وغيرها، قيام أنظمة حكم عادلة صالحة، ألزمت الناس، الصالح منهم والطالح، بالسير على الجادة من خلال الدساتير والقوانين والنظم واللوائح، وعاقبت كل من يخرج على هذا النظام ويهدد الاستقرار، وأعادته إلى السبيل، كرها أو طوعا، أو أبعدته فخلصت المجتمع من ضرره وشره.

الناس في العموم ليسوا بأهل قرار عام، إنما همهم مصلحتهم الفردية في المقام الأول، وهذا بالمناسبة منطبق حتى في الانتخابات العامة، فهي تخرج بالنتيجة العامة التي بنيت على اختيارات فردية مال إليها الناس وفقا لمصلحتهم المباشرة أولا، وليس لكونهم مالوا إلى المصلحة العامة، إلا في النادر.

لهذا فلن يتحرك الفرد انتصارا لقضية عامة ما لم يرها تمس صالحه المباشر، لكن الأفراد وإن قلنا ذلك عنهم، فإنهم يسترشدون ويهتدون بالنور الذي يتبدى له ممن يتزعمهم، ويقفز لقيادتهم، فإن قاد زمامهم حاكم صالح عادل، دانوا له وتبعوه وأخلصوا له، وإن ضل أو غوى عن السبيل، فصارت هناك حالة من الفوضى أو الفراغ، وتُرِك الحبل على الغارب، برز للحبل من يمسك به، إما بحق وإما دون حق، ليقدم نفسه قائدا أو منقذا أو مخلصا أو مصلحا، أو حتى لعله قدم نفسه بديلا عن القيادة الحالية العاجزة، فيقود الناس، أي الأفراد والذين هم دوما وقود الثورات.

لهذا، فإن الاستمرار بالقول بألا فكاك لنا من أزمتنا حتى الوصول إلى حالة من الصلاح المجتمعي الذي يمس الأفراد على مستوياتهم الشخصية، فيتسامون على اختلافاتهم وخلافاتهم وفروقاتهم وافتراقاتهم، الفئوية والمذهبية والعرقية وغيرها، لن يدفع إلا إلى إشاعة الإحباط الضارب، خصوصا أن الناس تشهد هذه الفجوة المجتمعية الكبيرة بين الناس على هذه المستويات في هذه الفترة.

إن ما نحن بحاجة إليه اليوم هو بروز القيادة الحازمة التي تتدخل لضبط الأمور، وكذلك المجموعات الوطنية الواعية الصادقة للإصلاح، والتي ستعمل لأجله دون البحث عن مصالح ذاتية أو فئوية.

ولا يهم أن تكون هذه المجموعات الوطنية كبيرة، بل إن عدة أفراد صالحين يمتلكون الهمة العالية، سيكونون قادرين على قلب المعادلة التي نراها عسيرة على الحل، وسيقودون الجمهور لرفض هذا التدهور وهذا الفساد، والوقوف في وجهه.