الثورة هي أعلى مراحل التغيير، وكل مرحلة ذروة في التغيير السياسي والاجتماعي لمجتمع  ما، وتشمل هذه المرحلة  (الذروة ـ الثورة) بالضرورة تغييراً جذرياً مماثلاً (ثورياً) في الثقافة والفنون.

Ad

لذلك، على سبيل المثال، ارتبطت ثورة عام 1919 في المجتمع المصري بنهضة شاملة على صعيدي الثقافة والإبداع، وشهدت أعظم نحت أقيم في تلك المرحلة  هو تمثال «نهضة مصر» الشهير للفلاحة  المصرية، التي تجسّد مصر وتقف شامخة مع إشراق وأمل جديدين بلا حدود في نهضة وتقدّم، واستعادة لدور مصر في الإسهام المتميز في الحضارة الإنسانية، إنه تمثال النحات العملاق محمود مختار الذي أعاد الروح إلى فن النحت المصري، بعد غياب قرون، وهو الفن الرائد منذ الفراعنة، أحد تجليات الحراك والنهوض، والبعث الجديد، بعد ثورة 1919.

وفي الوقت نفسه، بعثت أنواع وحقول الإبداع والفنون كافة بعثاً ساطعاً حقيقياً، من موسيقى وغناء ومسرح وآداب... من رواية وقصة وشعر، إلى السينما، الفن السابع... فن العصر.

وكانت مرحلة «ستوديو مصر» الذي بناه الرائد طلعت حرب، إحدى أهم المراحل في تاريخ السينما المصرية وأخطرها، وتميزت الأفلام التي أنتجها «ستوديو مصر» وصورت في ديكوراته بأنها أنضج أفلام السينما المصرية، وتبقى إنتاجاً مميزاً ومتقناً حتى قياساً بمعايير الزمن الراهن.

فقد مثّلت مرحلة «ستوديو مصر» على سبيل المثال: ثورة السينما ـ أي طفرات ونقلات تطور السينما الجذرية. لكن ماذا عن سينما الثورة ـ أي السينما التي تتناول الثورة وقضاياها الجوهرية؟

من اللافت أن السينما التي تناولت ثورة 1919، مقدماتها وأحداثها ونتائجها، لم تنضج وتتبلور، إلا من خلال السينما في عصر الثورة التالية أي  ثورة عام 1952، بعد أكثر من ثلاثة عقود.

في مقدمات ثورة 1919، رأينا فيلم «مصطفى كامل» الذي أخرجه أحمد بدرخان وكتبه فتحي رضوان، وهي مقدمات تعود إلى الحلقة السابقة من الحركة الوطنية الثورية في مصر، التي تزعّمها مصطفى كامل ومحمد فريد، وسبقت ثورة 1919 بحوالى ثلاثة عقود.

لكن «مصطفى كامل» كان عرضه متعثراً وكاتبه معتقلاً في سجون دولة القمع للسراي والاحتلال، ولم يُفرج عن الفيلم إلا بقيام ثورة 1952، بينما خرج فتحي رضوان مباشرة من السجن إلى المشاركة  في أول وزارة للثورة.

فحتى هذا الفيلم ارتبط عرضه بثورة يوليو، واقتصر تقديم أهم الأفلام التي عالجت أو اقتربت من ثورة 1919 وتداعياتها، لغاية اليوم، على فترة ثورة يوليو، التي استغرقت عقدين، الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وانتهت برحيل قائد الثورة (1970) واستمرت بالدفع الذاتي  حتى حرب أكتوبر (1973).

فعلى رغم مرور أكثر من أربعة عقود كاملة منذ ذلك التاريخ (1970)، إلا أننا لا نجد، على امتداد هذا الزمان الطويل، فيلماً واحداً يقترب من مرحلة ثورة 1919، أو حتى بعدها، اللهم إلا على سبيل الخيال الفانتازي الساخر (العابر في الدراما من دون تعمق) في فيلم «يا مهلبية يا» لشريف عرفة وماهر عواد، أو على سبيل التهافت، أو لنقل التفاهة وعلى نحو مفرط في فيلم «الناظر» للمخرج عرفة أيضاً.

أما الأعمال الجادة، التي عالجت المرحلة الوطنية (ابتداء من ثورة 1919 إلى تجليات وأوج الحركة الوطنية في الأربعينيات)، وقد استند كثير منها إلى الأدب مثل ثلاثية «بين القصرين» و{القاهرة 30» لنجيب محفوظ... فنرجو أن تكون لنا أمام مغزاها وقيمتها وقفة مستقلّة.