واضح جدا أن لدينا أزمة سياسية عارمة لا أظن أن أحدا ينكرها، لكن الخلاف هو في تحديد طبيعة هذه الأزمة وحجمها، وبالتالي تحديد كيفية الخروج منها.

Ad

هناك من يبسّط الأزمة السياسية الحالية إما عن عجز في متابعة التغييرات الاجتماعية والسياسية المحلية أو الإقليمية وإما لمصلحة خاصة، حيث يختزلها بشكل قسري ويصورها بشكل مخل على أنها ليست سوى أزمة "شخصية" بين بعض أعضاء مجلس الأمة وسمو رئيس مجلس الوزراء، ويدلل على ذلك بكثرة الاستجوابات الموجهة إلى رئيس الحكومة وطلبات عدم إمكانية التعاون معه التي قدمها بعض الأعضاء منذ توليه المنصب عام 2006.

على الطرف الآخر، هناك من يرى، وكاتب هذه السطور من ضمنهم، أن الأزمة تتعدى شخص رئيس مجلس الوزراء وإن كانت تشمله، إذ إنها أزمة هيكلية تتعلق بطبيعة نظامنا الديمقراطي وتركيبته، حيث إنه لم يعد نظاما مناسبا لروح العصر الذي نعيشه، وهذا يتطلب إجراء إصلاحات سياسية ودستورية جذرية تستند إلى الدستور، وهو ما أشارت إليه أيضا قبل مدة قصيرة صحيفة "الواشنطن بوست" في افتتاحيتها التي خلصت فيها إلى أن "ما تحتاجه الكويت اليوم ليس اتخاذ قرارات صارمة وبطشا، لكنها تحتاج تطورا سريعا نحو ديمقراطية حقيقية يتم فيها اختيار رئيس الوزراء من قبل الأغلبية البرلمانية".

وهناك بالطبع أكثر من دليل يسند وجهة النظر الداعية إلى إصلاحات سياسية جذرية، ومن ضمنها أننا قد جربنا أكثر من مرة حل المجلس والحكومة، ولكننا سرعان ما نعود إلى المربع الأول لأزمتنا السياسية، بل أكثر من ذلك، فإنه إن كان صحيحا أن الاكتفاء بتغيير شخص رئيس الحكومة قد يخفف كثيرا من حالة الاحتقان السياسي الحالي نتيجة لازدياد عدد غير المؤيدين له برلمانيا وشعبيا، فإن المؤكد هو أن الأزمة السياسية ستطل برأسها مرة أخرى بعد فترة من الزمن قد لا تكون بعيدة لأن التغيير الذي يطول الأشخاص فقط لن يكون تغييرا جذريا، وبالذات إذا كانت المشكلة الأساسية هي مشكلة هيكيلة.

أضف إلى ذلك أن إدارة الدولة الحديثة لا ترتبط بوجود هذا الشخص أو ذاك، فرغم أهمية الدور الذي يلعبه القادة في مراحل تاريخية معينة، لكنها ترتبط بوجود رؤية أو نهج متكاملين يكون الأشخاص أو القادة جزءا منهما مع وجود أدوات فعالة ومناسبة تجعل تحقيق هذا النهج أو الرؤية ممكنين، كما أن حل المجلس لوحده مع الإبقاء على الوضع الحالي لن يغير في الأمر شيئا، وقد جربناه أيضا أكثر من مرة لكن أزمتنا السياسية مستمرة.

إذن... كيف السبيل للخروج من الأزمة السياسية الحالية التي يدفع وطننا ثمنها غاليا؟

الخروج من الأزمة الحالية يتطلب الحل الفوري للحكومة والمجلس معا، وتسريع المحاكمة العلنية للمتهمين من أعضاء السلطتين في قضايا فساد مالي وسياسي حتى يمنع من المشاركة بها من تتم إدانته، أو على الأقل كي يعرف الناس أن هؤلاء يحاكمون بتهم كبيرة تتعلق بالفساد السياسي، وهو ما سيؤثر سلبا في إمكانية فوزهم في الانتخابات القادمة ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات برئاسة جديدة وبرنامج إصلاح سياسي شامل وجذري يهدف إلى تحقيق ديمقراطية حقيقية وضع أسسها دستور 1962.