من حق الأردن أن يشعر بما هو أكثر من القلق إزاء أعداد القتلى الذين يسقطون يومياً في صفوف المحتجين السوريين، حيث تشير المعلومات المحايدة إلى أن هذه الأعداد اقتربت من الألفين، هذا بالإضافة إلى الجرحى والمفقودين والهاربين بأرواحهم وأطفالهم الذين لجأوا إلى دول مجاورة، فسورية ليست مجرد دولة عربية شقيقة أوجاعها توجع الأردنيين، بل هي بالإضافة إلى هذا البعد القومي دولة مجاورة بحدود حيوية طويلة مع المملكة الأردنية الهاشمية، وبتداخل سكاني متعدد الوجوه والأشكال، وبمصالح مشتركة كبيرة وكثيرة في قطاعات اقتصادية وهامة.

Ad

كان الاعتقاد في البداية، عندما انطلقت شرارة هذه الاحتجاجات وهذه الأحداث من درعا في الخامس عشر من مارس الماضي أن الأمر مجرد «حازوقة» عابرة ومجرد رد فعل عاطفي على ما جرى في تونس ومصر، وأيضاً اليمن، كما كان الاعتقاد أن النظام بتجربته الطويلة وتعامله مع تقلبات كثيرة قادر على استيعاب ما حدث بمعاقبة المسؤولين عن الردّ على ما قام به أطفال صغار بطريقة استفزازية غريبة على قيم شعب عربي نبيل يتمسك بقيمه العربية التي لا تزال ثابتة الجذور في وجدانه.

يومها، وكان بالإمكان معالجة هذه العقدة بالأصابع قبل أن تصبح معالجة متعذرة حتى بالأسنان، كانت نصيحة الأردن للأشقاء في مواقع السلطة والمسؤولية بأن عليهم، إذا أرادوا استيعاب هذا الذي جرى ومنعه من أن يتحول إلى ثورة عارمة، على غرار ما هو عليه الآن والحؤول دون أن تتجاوز شعارات المحتجين المطالبة بالإصلاحات المشروعة والضرورية التي هي تعزيز للنظام ومكانته، أن يكثفوا تواصلهم مع شعبهم وألا يلجأوا إلى الحلول الأمنية والعسكرية، التي وإن كانت ناجحة في فترات سابقة، فإنها لم تعد تلائم هذه المرحلة التي أصبح فيها العالم قرية صغيرة، وحيث جعلت ثورة الاتصالات الـ»فيس بوك» أكبر قيادة مقتدرة وقادرة على تحريك أي شعب ودفعه إلى الشوارع. وبالطبع فإن هذه النصيحة، كما نصيحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قد ذهبت أدراج الرياح، حتى أنها قوبلت بعدم الجدية إذْ بدل اللجوء إلى الحوار والحلول السياسية تم اللجوء إلى استخدام القوة الأمنية والعسكرية المفرطة، وبدل التواصل مع شعب حرٍّ مثقفٍ ومسيَّس والذهاب إليه في كل مدنه وقراه ونجوعه تم الانغلاق على الذات في دائرة ضيقة من المستشارين الذين مازالوا يفكرون بعقلية الماضي، والذين ربما كانوا يضعون مصالحهم فوق مصلحة النظام وفوق مصلحة الدولة. ولهذا، وقد وصل الوضع إلى ما وصل إليه وأصبحت الأحداث المتصاعدة هناك تنذر بالمزيد من اضطراب حبل الأمن وبفوضى مدمرة، هذا إن لم تقع معجزة وتظهر في هذه اللوحة المرعبة قوة قادرة على الإمساك بزمام الأمور وفرض إرادتها المستجيبة لمطالب الشعب السوري على الجميع، فإن من حق الأردن أن يبدي ما هو أكثر من مجرد الخشية، بل والخوف، ولكن، وهذه مسألة محسومة ولا نقاش فيها، بدون التفكير حتى مجرد التفكير في التدخل وبأي شكل من الأشكال في الشؤون الداخلية في شؤون هذا البلد الشقيق الذي لديه القدرة على حل مشاكله بنفسه.

إنه ليس ممكناً إلا أن يشعر الأردن بما هو أكثر من الخشية، وهو يرى دولة عربية مركزية مجاورة تتفسخ على هذا النحو، وقد تذهب إلى ما هو أخطر من مجرد التفسخ، والأردن بالإضافة إلى مصالحه الكثيرة في أن تبقى سورية مستقرة وموحدة ويبقى اقتصادها متيناً وشعبها سعيداً ونظامها راسخاً، فإنه يعرف أن اضطراب الأمن في أي دولة سيكون له انعكاساته الخطيرة على الدول المجاورة، وبخاصة إذا كان بعضها كالمملكة الأردنية الهاشمية غير قادر على استيعاب موجات هجرة جديدة لأسباب كثيرة، أولها قلة إمكانياته وحتى عدم قدرته على توفير ماء الشرب لإخوانه الذين لا يستطيع إغلاق أبوابه في وجوههم.