حدث خليجي... يستحق الرصد
أصبحت البحرين في بؤرة التطورات الجارية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية:أولاً: المشروع الإصلاحي الذي طرحه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على شعبه قبل عقد من الزمن، ونال موافقة شبه إجماعية سابقاً "الربيع العربي" بسنوات، أصبح "المشروع الإصلاحي" في الخليج العربي كله، فحيثما توجهت ترى "هماً إصلاحياً" في كل دول المجلس من سلطنة عمان إلى دولة الكويت مروراً بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر.
وقد أكد الأمير سعود الفيصل أخيراً هذا البعد البحريني بقوله: "البحرين بلد متسامح، ولا أذكر أنه كان في يوم من الأيام له علاقة سيئة مع أي من دول العالم، فهنيئاً للبحرين بقيادته، وهنيئاً لنا بوجود البحرين بيننا في مجلس التعاون". (الشرق الأوسط: 25/11/2.11م).ثانياً: دخول قوات "درع الجزيرة إلى البحرين لحماية منشآتها الحيوية- وهي قادمة، بالدرجة الأولى، من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بموافقة سياسية من مختلف الأعضاء، أثبت أن دول الخليج العربي كتلة واحدة وتتصرف كذلك... وجاء تقرير لجنة بسيوني ليبرئ تلك القوات من جميع التهم.ثالثاً: انطلاقاً من وحدة المصير لدول المجلس، فإنها في الفترة التالية لذلك، اتخذت عدداً من القرارات الاقتصادية والأمنية ذات الأهمية دعماً لمملكة البحرين.وكان أهم استنتاج أمكن الخروج به من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مرسوماً بتشكيلها برئاسة البروفيسور د. محمود شريف بسيوني في 29 يوليو 2.11م، أن ما حدث بالبحرين بدءاً من 14 فبراير إلى منتصف مارس لا يندرج ضمن أحداث "الربيع العربي" في أقطار عربية أخرى، وأن قسماً كبيراً من سكان البحرين لم يشاركوا فيه.وقد جاء تشكيل اللجنة كسابقة إقليمية وعربية وعالمية نظراً للصلاحيات التي منحها الملك للجنة بحيث أتاح لها التحقيق فيما حدث خلال الفترة المذكورة وتداعياته التي نجمت عنه فيما بعد، وذلك بالنظر والتحقيق بحرية تامة في عمل الدوائر الرسمية والاستماع الحر من جانب آخر إلى المتضررين من المدنيين والتقدم بتقريرها "متضمناً ما تراه مناسباً من توصيات في هذا الشأن"، وذلك ما أكده بروفيسور بسيوني في لقاءات إعلامية.والملاحظ أن ملك البحرين شخصياً، برفقة رئيس وزرائها وولي عهدها، وحضور كبار مسؤوليها وحضور ممثلي المنابر الإعلامية العالمية، قد استمعوا إلى تقرير البروفيسور بسيوني الذي ألقاه في ذلك الاجتماع الرسمي، وأعلن الملك قبول مملكة البحرين به، واتخاذ ما يلزم لتنفيذ توصياته، وكانت النتيجة النهائية الحاسمة التي خرج بها المستمعون للتقرير في ذلك الاجتماع "التاريخي"، أنه حان الوقت للقيام بالمصالحة الوطنية وإعادة اللحمة الوطنية- بعد أن ثلمتها تلك الأحداث- في البلد الصغير بحجمه، والكبير بسكانه وحضارته، والمسالم بطبيعته، وطبيعة أهله، وذلك بغض النظر عن الطرف الذي أدانه التقرير، فالمهم هو حدوث المصالحة، وذلك ما يهدف إليه شعب البحرين وقيادته.وقد لاحظ المتابعون لتلفزيون البحرين الرسمي أنه تم رفع شعار "شعب واحد ومستقبل واعد" في دعوة واضحة للجميع من أجل الالتقاء في سبيل مستقبل البحرين. وتتالت الإشادات العالمية بالحدث، والترحيب بشجاعة القرار الذي اتخذه ملك البحرين لإظهار الحقيقة، أياً كانت، ومن تلك الإشادات ما جاء من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا الاتحادية، فضلاً عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، الأمر الذي خلق زخماً ودافعاً قويين لمنح البحرين وملكها جائزة "نوبل" للسلام، في ضوء ما هدف إليه ملك البحرين من سيادة للأمن والاستقرار محلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً على أوسع نطاق. والذي يقرأ بين السطور في ثنايا الخطاب الذي ألقاه الملك بعد استماعه إلى تقرير اللجنة، يلمس رغبة الملك في تحقيق السلم رغم ما ورد في خطابه القوي اللهجة من إشارات حيال الجهات التي عبثت وتعبث بأمن بلاده. إن هذا الخطاب الملكي قطعة في "الأدب السياسي" لابد من التأمل في أهم مقاطعه، إن لم يكن ممكناً قراءته كله، وأن تكون هذه القراءة لازمة لاستكمال الفهم والتقييم، ومن المقاطع ذات الأهمية والمغزى السياسي قول الملك: "لهذا التقرير قيمة عظيمة ومكانة عالية في نفوسنا. وإن شعب البحرين باستفادته من مرئياتكم وتوصياتكم سيجعل من هذا اليوم يوماً تاريخياً في حياة الوطن...".كان بإمكان الملك أن يجلس في قصره، ويطلب تقرير البروفيسور بسيوني، لكنه اختار في ذلك اليوم "التاريخي" أن يحضر مع عمّه الجليل وولي عهده الشاب للاستماع إلى التقرير أمام حضور كثيف من المسؤولين والإعلاميين احتراماً لشعب البحرين ومعاناته ورغبته في معرفة الحقيقة، يقول "وإن تساءل البعض عن سبب طلبنا لجنة من الخبراء من خارج البلاد للنظر في مجريات أحداث شهري فبراير ومارس 2.11م، وما نجم عنها من تداعيات لاحقة، فإن جوابنا هو أن أي حكومة لديها الرغبة الصادقة في الإصلاح والتقدم، يجب أن تعي الفائدة من النقد الموضوعي الهادف والبناء"."وفي عالمنا اليوم نرى أمثلة كثيرة، ففي أوروبا نرى بلداناً رئيسية اعتادت حكوماتها على التعرض للانتقاد من مؤسسات خارجية أسهمت هي نفسها في إنشائها، فمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية تعاقب دولاً أوروبية حين تنتهك حقوق الإنسان... ولكن تلك الدول لا تشجب المحكمة الأوروبية، ولا تحتج أو تقاطع القضاة الذين انتقدوها".إن هذا الكلام ينبغي أن تسمعه حكوماتنا العربية المختلفة، ولذلك فقد اقترح ملك البحرين في كلمته "إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، تأخذ مكانتها على الساحة الدولية".ولا ترغب البحرين في استضافة هذه المحكمة إلا إذا ارتأت الدول العربية ذلك. يقول وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة: "سنأخذ هذه الفكرة إلى الجامعة العربية لطرحها، ويمكن أن تكون هذه المحكمة هنا أو في أي بلد عربي، لكن من الأفضل وجودها قرب الجامعة العربية أو في أي بلد عربي كبير". (الحياة- مقابلة بارعة علم الدين، 27/11/2.11م).من ناحية أخرى، أوضح ملك البحرين في خطابه استعداد بلاده لاستضافة مكاتب حقوقية للأمم المتحدة في البحرين بتخصيص أرض رئيسة لها، داعياً المنظمة العالمية إلى القدوم إلى بلاده بمبادئها وليس بمكاتبها فحسب.وفي نهاية الخطاب، وبعد أن أبان أبعاد الهجمة الإعلامية الإيرانية التحريضية ضد بلاده، قال: "نأمل من القيادة الإيرانية أن تعيد النظر في مواقفها بترك السياسات التي تؤدي إلى العداء والفرقة... وبعد أن أكدنا التزامنا بالإصلاح، فإنا نهيب بالجميع أن يراجعوا أنفسهم... وأن يقوموا بدورهم الوطني المطلوب في إعادة اللحمة الوطنية ضمن مجتمع متسامح حيث إن هدفنا الأسمى، بعد مرضاة الله عز وجل، هو نشر التآخي والوئام والتسامح بين جميع أبناء شعبنا العزيز يضمه مجتمع تعددي متماسك... مجتمع يضمن سيادة القانون وحقوق الجميع".ذلك حدث جدير بالرصد والمتابعة...!* مفكر من البحرين