منذ حوالي 4 شهور في (27- 5) و(3- 6) كتبت مقالَي "الفتنة الطائفية حقائق وأوهام" و"الخلاصة والحل" حول الفتنة الطائفية التي كان الجميع يتحدث عنها وكأنها واقع في المجتمع المصري نتيجة أحداث قنا واطفيح وإمبابة، واليوم نعود إلى ذات الموضوع ونبدأ بسؤال: هل أحداث ماسبيرو فتنة طائفية؟
الفتنة الطائفية أو الصراع الطائفي هو صراع بين ديانتين أو مذهبين داخل ذات الديانة، ويكون صراعا حادا بين أتباع كلا المذهبين أو الديانتين ولا تداخل بينهما كما حدث في إمبابة مثلا، ولكن في ماسبيرو خرج بعض المسلمين للتظاهر جنبا إلى جنب مع المسيحيين، وعلى الجانب الآخر كان الجيش بمسلميه ومسيحييه، أي أنه بكلا الجانبين هناك أتباع للديانتين، فلا يمكن تصنيفه بأنه فتنة طائفية أو صراع مذهبي، كما أن السبب المعلن وراء الأحداث "كنيسة المريناب" لم تشهد القرية ولا المحافظة أحداثا بقوة– وليس حجم- ما حدث في ماسبيرو. إن ما حدث في ماسبيرو لم يكن بين مسلمين ومسيحيين، كما أنه لم يكن بسبب خلاف بينهم أو بسبب حرق كنيسة أو علاقة بين مسيحي ومسلمة، وهذا مخالف لما حدث في قنا وحلوان وإمبابة من قبل، وبالتالي لا يمكن أن نطلق عليه فتنة طائفية، وإذا لم يكن كذلك فبماذا يمكن تسميته؟ نعود إلى الوراء قليلا: تعرض المسيحيون خلال حكم مبارك– خاصة في السنوات الأخيرة- إلى الكثير من المضايقات والممارسات المرفوضة، وكان أبشعها حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية الذي دبره النظام السابق ليلة عيد الميلاد، ثم جاءت ثورة يناير وشارك فيها المسيحيون بزخم كبير وبأعداد جاوزت عشرات الآلاف، وكانت مشاركتهم كمصريين وليس كمسيحيين شأنهم شأن جميع المصريين الذين شاركوا في الثورة.ولما سقط مبارك شعر بعض رجال الكنيسة والمتطرفين من المسيحيين أن الوقت قد حان لجني ثمار مشاركتهم، وأن الفرصة مواتية للثأر من كل الممارسات الخاطئة، وكل ما عانوه من النظام السابق، وبدؤوا بفرض سياسة الأمر الواقع واللعب على وتر بناء الكنائس وترميمها والحديث المتكرر حول تعنت المسؤولين على الرغم من أن أكثر من 80% مما يتحدثون عنه تم بناؤه بدون ترخيص، ولا يجوز ترميمه، ويغذي ذلك بعض الآراء والأفكار الواردة من الخارج ونجاح بعض الحركات الانفصالية في أماكن متفرقة من العالم.هذه هي الخلفية التي تم استغلالها للقيام بأحداث ماسبيرو، ولم تكن أبدا كنيسة "المريناب" كما يحاول البعض تبسيط الأمور واختزالها في إصدار قانون موحد لدور العبادة، كما لا يمكن إغفال مسؤولية الحكومة والمجلس العسكري بإهمالهما وتقصيرهما في معالجة الأحداث منذ البداية، بل قبل حدوثها، وإن كان هذا يرتبط بفشل المجلس العسكري عموما في إدارة شؤون البلاد.وأخطر ما في أحداث ماسبيرو وهو ما يرفعها إلى درجة الخيانة الوطنية، هو محاولة البعض الاتجاه إلى الخارج لدعم مطالبهم، وبالأدق مساعدتهم ماديا ومعنويا في الحصول على مكاسبهم التي يسعون إليها، ويعتقدون أن الفرصة مواتية لذلك، ولا يقلل من هذا الخطر سوى أن هؤلاء لا يمثلون إلا قلة قليلة بين أغلبية مسيحية تدرك جيدا أن التدخل الخارجي سيضر أول ما يضر بحقوقهم، وسيزيد الأمور تعقيدا والوضع تدهورا.أما الحديث المتكرر حول "كوتة" المسيحيين والمحافظين والمناصب القيادية فقد سبق الحديث عنه كثيرا، وتحديدا في المقالين السابق الإشارة إليهما في بداية هذا المقال.الخلاصة: هناك فرق كبير وخطير بين الفتنة الطائفية والخيانة الوطنية، وكما قلت سابقا إن كان الانتماء الغريزي والحب الفطري إلى الدين من سمات الشخصية المصرية فإن حب الوطن والسمو به فوق أي مكتسبات شخصية ومنافع ذاتية هو أساس هذه الشخصية وعمودها الفقري الذي لا يستقيم المصري بدونه.
مقالات
ماسبيرو بين الفتنة الطائفية والخيانة الوطنية
21-10-2011