القرن الإفريقي إقليمٌ من الوفرة

نشر في 05-03-2012
آخر تحديث 05-03-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إثر انقضاء ستة أشهر وهلاك عشرات الآلاف من البشر أشرفت مجاعة الصومال التي سببها أسوأ جفاف على مدى 60 عاماً، على نهايتها، لكن أزمة أوسع نطاقاً في إفريقيا لم تزل قائمةً ومستمرة.

ففي منطقة القرن الإفريقي التي تضم الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب السودان، والسودان لم يعد نحو 14.6 مليونا من الأطفال والنساء والرجال يملكون ما يسد الرمق. وباتجاه الغرب في بلدان الساحل والصحراء، عبر كل من النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا ثمة 14 مليوناً آخرين يتهددهم خطر الجوع.

بل ما هو أسوأ من ذلك أن ثمة خطراً قائماً وكبيراً من أن تقع الصومال ثانيةً في براثن المجاعة ما لم تتخَذ إجراءات منسقة وطويلة الأمد تصدياً لهذا الاتجاه، فإن لم يكن بالإمكان تفادي الجفاف، يظل في المستطاع الحيلولة دون أن تتحول موجات الجفاف إلى مجاعات.

وفي غضون أكثر من عقد واحد بقليل، شهد القرن الإفريقي ثلاث موجات جفاف متتالية أعقبتها أزمات حادة، ومع كل موجة جفاف جديدة اتفق المجتمع الدولي على ضرورة اتخاذ إجراءات طويلة الأجل منعاً لوقوع مأساة أخرى. ولكن في كل مرة، حين عادت الأمطار أخيراً ما لبثت أن تلاشت نوايا العالم الحسنة.

واليوم علينا أن نضمن ألا يحدث ذلك ثانية... بالاتحاد معاً لإبعاد شبح الجوع عن الإقليم نهائياً، وإن لم ننجح في ذلك فإن الأمر سيصبح مأساة مضاعفة، لأن الخسائر في الحياة البشرية والمعاناة الإنسانية لم يعد ثمة داع لها البتة لا سيما أن انتهاء المجاعة الصومالية أخيراً قد دلّل على أن تأثير منظمة الأغذية والزراعة وشركائها بدأ يُحدث تغييراً. ويشرع برنامج الأغذية العالمي، واليونيسيف، ومنظمة الأغذية والزراعة، وغيرها من المنظمات غير الحكومية الدولية في تنفيذ برامج طوارئ للاستجابة للأوضاع لا تستند فحسب إلى توفير المستلزمات وتوزيع الأغذية على نحو ما ساد سابقاً، إنما تتضمن الآن تطبيق برامج "النقد مقابل العمل" و"القسائم الغذائية". وبينما تسمح هذه المشروعات للأسر بشراء الغذاء محلياً وتمكنها من البقاء في مناطق سكناها، فإنها تأتي محفزاً للانتعاش الاقتصادي أيضاً وتساعد على إعادة تأهيل البنى التحتية المحلية الضرورية للإنتاج الزراعي والحيواني. وتتيح الوسائل التي تطبقها هذه الوكالات الإنمائية المتخصصة مساعدة السكان ليس فقط على تلبية احتياجاتهم الغذائية بسرعة، بل مساندتهم أيضاً في النهوض بموارد معيشتهم وبناء المرونة في مواجهة أزمات المستقبل. فعلى سبيل المثال انتهز المزارعون في منطقتي باي وشبيلا بالصومال فرصة سقوط الأمطار أخيراً، مقرونةً بالمعونة التي قدمتها منظمة الأغذية والزراعة والوكالات الأخرى من أجل مضاعفة إنتاجهم من الذرة الصفراء والذرة البيضاء الرفيعة وتحقيق أكبر حصاد على مدى سنوات بأسرها.

ولا بد للمجتمع الدولي أن يواصل تطبيق مثل هذه النُهج إذا ما عقد النية على احتواء ومنع وقوع المزيد من الأزمات. فحتى في أوج المجاعة، نجح بعض المزارعين الصوماليين في حصاد محاصيلهم بنجاح وبيعها. ولم يكن ذلك ليصبح ممكناً إن لم تطبق منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) قبيل وقوع الأزمة برامج "النقد مقابل العمل" لمساعدتهم في بناء شبكة الري المحلية، وإن لم تضع في متناولهم مسبقاً بذوراً عالية النوعية ووفيرة المردود.

لكن إنتاج الغذاء لا يكفي في حد ذاته، وإن تعذر على المزارعين الفقراء حتى مع إنتاج وفرة من المحاصيل، نقل منتجاتهم بسبب غياب طرق الوصول... أو بيع إنتاجهم نظراً إلى عدم توافر الأسواق فسيظلون فقراء وضعفاء، ولعل من الجلي أيضاً في حالة عدم توافر سيولة نقدية لدى المستهلكين لشراء هذه المنتجات، أن جهود المزارعين ستذهب هدراً؛ ولذا فمن الأهمية بمكان تحفيز كِلا العرض والطلب على المستويات المحلية. وحتى إن كان ضخ النقد في الاقتصادات المحلية مساعداً على الازدهار، إلا أن سكان المجتمعات الريفية في حاجة إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير كمقومات لحياة منتجة ولتحقيق الذات: أي شبكات الضمان الاجتماعي الأساسية، والمدارس، والخدمات الصحية، والنُظم الفعالة للوقاية من الأخطار، والأمن الشخصي.

وإذ تُجدِّد منظمة الأغذية والزراعة التزامها بهدف إفريقيا قارةً متحررةً من الجوع، غير أن هذا الهدف يتجاوز قدرات أي منظمة دولية بعينها أو أي حكومة تعمل بمفردها. إن تحقيق هذا الهدف سيتطلب إقامة شراكات فيما بين الحكومات، والهيئات الإقليمية، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص. كذلك يتيح ربط المعونة العاجلة بالإجراءات الطويلة المدى مخرجاً ممكناً من الأزمات الممتدة للشروع على مسار التنمية المستدامة. ومن خلال تصعيد الجهود الجارية، بوسع الزراعة أيضاً أن تغدو عنصراً أساسياً في تحقيق السلام والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي، كمقومات ضرورية للنمو والازدهار في هذا الإقليم.

فإذا كانت موجات الجفاف ستقع حتماً، فإن الجوع والمجاعة تطورات يمكن الحيلولة دون وقوعها... إذ لم يعد من المحتمل افتراض أن يسمح المجتمع الدولي باستمرار هذه الأحداث المأساوية.

خوسيه غراتزيانو دا سيلفا

* المدير العام لمنظمة الأمم المتّحدة للأغذية والزراعة "الفاو".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top