ما بين الانتخابات والإعلام

نشر في 05-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 05-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز "إلى أن تستطيع الأسود أن تحكي قصصها، فإن حكايات الصيد سوف تمجد الصياد".

يشير المثل الإفريقي السابق إلى أن أي آلية "للحكي"، أو الإخبار، لا تعطي الفرص والمساحات المتكافئة لأطراف كل عملية من العمليات، للتعبير عن رؤيتهم حيال تلك العملية، وسوق حججهم إزاءها، سوف ينجم عنها، من دون شك، "حكاية" تخدم وجهة نظر واحدة، وتكرس معنى واحداً.

ويتفق باحثو وخبراء الإعلام الغربيون على أن التغطية الإعلامية للعمليات السياسية والاجتماعية المختلفة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل اتجاهات الجمهور تجاه تلك العمليات، بشكل ربما يفوق تأثير بعض المؤثرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحيوية الأخرى.

كما أظهر العديد من البحوث أن النسبة الكبرى من الجمهور تستقي معلوماتها في شأن العمليات الانتخابية من الإعلام بالدرجة الأولى، وهو الأمر الذي يزيد من أهمية التغطية الإعلامية لتلك العمليات، ويضع تأثيرها في مرتبة متقدمة بين العديد من العناصر المؤثرة الأخرى.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الأميركي جراهام رامسدين، المختص ببحوث "الإعلام والديمقراطية"، أن "الدراسات العلمية أثبتت أن التغطية الخبرية للعمليات الاجتماعية والسياسية المختلفة تؤثر في اتجاهات الجمهور وربما تقوده إلى اتخاذ قرارات ودعم أو رفض سياسات بعينها". وهو الأمر ذاته الذي يوضحه المفكر الأميركي بول كروغمان بقوله: "كان يمكن للانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2000، أن تنتهي بنصر مؤزر لآل غور، لو لم يتخذ الإعلاميون موقفاً سلبياً منه".

وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة التي حملت الرئيس باراك أوباما إلى سدة الرئاسة، ساد انطباع لدى قطاعات أكاديمية وسياسية وبين صفوف الجمهور، بأن إتقان أوباما وأركان حملته التعاطي مع وسائل الإعلام كان أحد الأسباب الرئيسة وراء نجاحه.

والواقع أن قيام بعض وسائل الإعلام بدعم أحزاب ومرشحين معينين في الانتخابات يحدث في دول العالم المختلفة، لكن الخطر الكبير ينشأ عادة حين يتم استخدام التغطية الخبرية في هذا الدعم.

فالتغطية الخبرية لأي وسيلة إعلامية ذات كفاءة واحترافية يجب أن تتجرد من الرأي، وتراعي معايير الحياد والتوازن والموضوعية.

يمكن تفهم أن يكون لأي وسيلة إعلام خاصة موقف داعم لمرشحين أو أحزاب معينة في أي انتخابات سياسية أو غير سياسية، لكن تسخير الأخبار لخدمة هذا الموقف عبر تلوينها وحرفها وتشويه ما تحمله من إفادات يظل عملاً غير ليس مقبولاً.

وثمة ثلاث وسائل أساسية تقوم من خلالها بعض وسائل الإعلام بحرف تغطيتها الخبرية بما يخدم مرشحين معينين أو يروج أفكاراً ووجهات نظر بعينها:

1- تسليط الضوء على قضايا بعينها Issue Frame

حيث تقوم وسيلة الإعلام خلال تغطيتها الخبرية بتسليط الأضواء على قضايا معينة، وبث الكثير من الأخبار والتقارير عنها، بما يستتبعه هذا من تغييب الأضواء عن قضايا أخرى، قد تكون أكثر وضوحاً وتأثيراً في الواقع.

ففي بعض الأحيان، تقوم صحف معارضة خلال فترة الانتخابات بتكثيف تغطيتها الخبرية لقضايا تتعلق بالفساد أو غياب الأمن في بعض أجزاء من البلاد، متجاهلة في الوقت نفسه تسليط الأضواء على بعض الإنجازات التي تقوم بها الحكومة، حتى لو كانت أكثر حيوية وتأثيراً وأهمية بالمعايير المهنية.

والعكس يحدث حين تسلط وسائل الإعلام التابعة للحكومة الأضواء على قضايا تتعلق بالخلل والانشقاقات في بعض أحزاب المعارضة على سبيل المثال، وتتجاهل قصصاً وتقارير تتعلق بما قد يحدث من خلل في الحزب الحاكم أو حكومته.

2- تشكيل الصورة Image Frame

يمكن لوسائل الإعلام المختلفة حرف مواقف الجمهور تجاه أشخاص بعينهم، ودفعهم نحو تأييد هؤلاء الأشخاص وأفكارهم وحججهم دون الآخرين أو العكس، بما لا يخدم المصالح الدائمة للجمهور.

وباستخدام أنماط الانحياز المختلفة، يمكن للتغطية الخبرية الملحة أن تصنع صورة ذهنية إيجابية لشخص أو دولة أو جماعة أو منظمة، كما يمكن لها أن تصنع العكس دون أن يكون لذلك علاقة بالواقع.

3- تأطير الأحداث  Strategy Frame

حيث تسعى وسائل الإعلام إلى إعادة صبغ الأحداث التي تقدمها في تغطيتها الخبرية بصبغة مختلفة تتناسب مع أهداف تلك الوسائل، بما يخدم دولاً أو أفكاراً أو جماعات معينة.

فعلى سبيل المثال يمكن أن تصوغ وسيلة إعلام ما معالجتها لقضية تدخل السلطة في شؤون الأحزاب أو الكتل السياسية المتنافسة على أنها "تنظيم الحياة الحزبية". كما يمكن أن تعالج قضية سجن زعيم معارض، بعد اتهامه بقضية مخلة بالشرف، وثبوت تورطه فيها، على أنها "مكيدة من الحكومة لإبعاده عن المنافسة".

وفي هذا الصدد يتحدث المراسل الصحفي البريطاني روبرت فيسك عن كيفية معالجة بعض الصحف البريطانية والأميركية لقضية "الجدار العازل" في الأراضي الفلسطينة المحتلة، على أنه "حاجز أمني". وفي المقابل يشير آخرون إلى الكيفية التي تعاملت بها بعض وسائل الإعلام العربية مع بعض الأحداث مثل تفجير المساجد في العراق، معتبرة أنها أنشطة مقاومة، أو وصف وسائل الإعلام الإسرائيلية عمليات المقاومة بأنها "أنشطة إرهابية".

وباستخدام تلك الوسائل مجتمعة تنجح وسائل الإعلام في التأثير في مسار العمليات الانتخابية تأثيراً كبيراً، ويتعاظم نجاحها للأسف حين تستخدم الحكومات القمع بحق وسائل الإعلام الخاصة، أو تقوم بتقييد صدور تلك الوسائل، أو تفرض رقابة على محتواها، فتحرم الجمهور من التعدد الذي يمكن أن يحد من الآثار الضارة للتغطية الإعلامية المشوهة.

في العامين الماضي والحالي، شهد العالم العربي عدداً من الانتخابات التي حظيت بدرجة عالية من الشفافية ولم يُطعن في صحتها على عكس ما جرى طوال عقود خلت؛ حيث نظم المغرب وتونس ومصر والكويت انتخابات ناجحة وأقرب إلى النزاهة، لكن كثيرين لم يهتموا بتقويم الأداء الإعلامي المصاحب لتلك الانتخابات، والذي أفرط في ارتكاب أخطاء وانحيازات صارخة بنسب متفاوتة من بلد إلى آخر.

لن تكتمل نزاهة العمليات الانتخابية، ولن تتحقق نجاعتها إلا بضبط التغطية الإعلامية المصاحبة لها؛ وهو أمر يستلزم خلق أطر تنظيم وتقويم للأداء الإعلامي، تتضمن وضع أكواد مهنية ملزمة، وعمليات تدريب وتأهيل مستمرة، وآلية للرصد والفحص وتوجيه المخطئين، وأحياناً معاقبتهم، بما يضمن للتغطية الإعلامية حريتها، ويحمي العمليات الانتخابية من انفلاتاتها.

* كاتب مصري

back to top