ها هي مصر الأبية الشامخة، العزيز شعبها، الكريم نيلها، العظيم تاريخها، تصفع الحاقدين وتخرس ألسنة الحاسدين وتقدم للعالم كله بشرقه وغربه بأوسطه وعربه درساً سيذكره التاريخ، فها هي في أصعب الأوقات وأشد الأزمات التي مرت بها ويمر بها بلد من البلدان وبعد ثورة وليدة لم تتجاوز العام تقدم نموذجاً حضارياً ومشهداً تاريخياً يندر أن يتكرر في محاكمة مدنية من شعب لحاكمه .

Ad

الكثير من المشاعر والأحاسيس تتفاعل داخل القلب والعقل أثناء مشاهدة محاكمة الرئيس المخلوع ما بين إحساس بالفرح لتطبيق العدالة إلى شعور بالأسى على موقف المواطن حسني مبارك الذي وضع نفسه فيه وأساء إلى نفسه بنفسه، ورغبة في الرأفة مع الإنسان المريض في آخر أيامه... وغير ذلك من المشاعر التي تتداخل بعضها مع بعض، لكن تبقى كل هذه المشاعر تحت مظلة من الفخر والعزة... نعم هذه هي مصر العظيمة... مصر التي علمت العالم ومازالت معنى العزة والشموخ... مصر الحضارة والتاريخ وأيضاً مصر الحاضر والمستقبل.

ها هي مصر تعطي العالم كله كيف يكون العدل والقصاص بلا همجية ولا انتقام بلا ضغينة ولا حقد بل تعطي كل إنسان- ولو كان مجرماً ومتهماً بأبشع الجرائم- حقه في الدفاع عن نفسه والاحتكام إلى القاضي الطبيعي وليس الاستثنائي ولا العسكري وتكفل له حقه في تبرئة نفسه إن استطاع.

كم من السيناريوهات تخيلها الكتاب وأطلقها السياسيون وحذر منها البعض وتمناها آخرون، والكل كان يتحدث عن همجية المحاكمة وتأثرها بالضغط الشعبي ورغبة الانتقام والتشفي، والكل كان يراهن على موقف المجلس العسكري وعدم رغبته في المحاكمة، والكل كان يتحدث عن الانفلات الأمني والمواجهات بين جموع الشعب الرافض لما فعله مبارك المؤيد للقصاص والمحاكمة ومن يرفضون المحاكمة إنسانيا ورحمة بالشيخ العجوز وتقديرا لرئاسته السابقة... كانوا يتحدثون ويتحدثون ويتحدثون.

ها هي مصر الأبية الشامخة، العزيز شعبها، الكريم نيلها، العظيم تاريخها، تصفع الحاقدين وتخرس ألسنة الحاسدين وتقدم للعالم كله بشرقه وغربه بأوسطه وعربه درساً سيذكره التاريخ، فها هي في أصعب الأوقات وأشد الأزمات التي مرت بها ويمر بها بلد من البلدان وبعد ثورة وليدة لم تتجاوز العام وعدم استقرار سياسي وتوتر أمني وهبوط اقتصادي... إلخ، ورغم كل ذلك تأبى مصر على نفسها إلا أن تكون معلمة وقائدة تقدم نموذجاً حضارياً ومشهداً تاريخيا يندر أن يتكرر في محاكمة مدنية طبيعية من شعب لحاكمه الذي أخطأ في حقه وتجاوز سلطاته وتمادى في ظلمه.

ورغم كل ذلك يشهد العالم محاكمة بلا تجاوزات ولا أخطاء ويشاهد المتهم يقول ما يريد وينكر التهم كما يحب بلا ضغوط ولا إكراه وعلى الطرف الآخر يمارس الشعب من خلال محاميه تقديم الأدلة والإثباتات على ما تم من جرائم وانتهاكات.

عظيمة يا مصر ومن حق كل مصري أن يشعر بالفخر والعرفان والامتنان والتقدير لتراب هذا البلد العظيم.

كلمة في أذن كل الكتاب ممن كانوا يتوقعون أو يتمنون عكس ما شاهدوا، لا تتعجبوا ولا تندهشوا فمصر لن تحكمها الفوضى ولا جمهورية "ميدان التحرير"- كما تحدث البعض ساخراً وهو لا يعرف معنى الجمهورية ولا الفرق بين "ميدان التحرير" و"دوار اللؤلؤة"- وستظل مصر دائما عالية الرأس أبية شامخة لا تحني رأسها لأحد أياً كان، وفي أي زمن  تتسامى فوق الجروح والصعاب...  كان البعض يتساءل ما معنى حضارة الـ5 آلاف سنة التي تتحدثون عنها أتمنى أن يكون الآن قد فهم معناها.

(على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء

أنا مصر عندي أحب وأجــمل الأشياء)... صلاح جاهين.

إلى أيتام مبارك داخليا وخارجيا مصريا وعربيا وإسرائيليا: من حق اليتيم أن يبكي أباه ويصرخ عليه، ولكن لن تمسح دموعه آثام الوالد وجرائمه.