كوكب أبو حليفة

نشر في 25-06-2011
آخر تحديث 25-06-2011 | 00:01
 مزيد بن ثاري مروراً بمكتب البريد وطابعه المميز في الكويت كطوابعه المزخرفة والملونة، رأيتهم أنا وزميلي «أبو يوسف» باسطين كراسيهم خارج المبنى!

قال لي زميلي «أبو يوسف: «ليش قاعدين برا والمكاتب فاضية»؟

قلت له: «من حبنا لها... يابو يوسف»!

«سلام عليكم شباب... وين المكتبة العامة؟»، كانت أول عبارة ألقيتها عليهم، وليتني ما فعلت، فقد تملكتهم الدهشة، فبدت ملامح أحدهم كأنه يقول «ما في خيارات ثانية»؟... والثاني تقول ملامحه «من صجه هذا»... «والله ما ندري أخوي بس متأكد أن في مكتبه إهني»!

هنا تدخل «أبو يوسف» قائلا لي:

«تعال نصعد نكتشف فوق».

مشينا وتوجهنا تجاه سلم وبدأنا في الصعود... عتبة عتبة وخطوة خطوة حتى افترق بنا السلم إلى طريقين... يميناً ويساراً؟

في اليمين لوحة تشير إلى مكتب للكهرباء والماء... واليسار لوحة تشير إلى لا شيء!

الاتجاه إلى اليسار يعطيك انطباع المدن المهجورة! لا خطوات أقدام منذ قرون والطريق مليء بالأتربة وبعض العلب الفارغة... إلخ.

أبو يوسف: «يمين درب الغانمين»

قلت له: «لا يسار خل نكتشف شي شورانا غير هالدوام اللي ما فيه إلا الشاي والماي».

اتجهنا يساراً، وتدريجياً أحسست بأني بدأت أصعد إلى السماء باتجاه كوكب آخر، بدأ الحنين إلى الأرض يدب في أوصالي، وأخذت تتملكني أحاسيس الغربة كلما صعدت وابتعدت عن وطني وكوكبي... وددت العودة، ولكن للفضول أوقاتاً غريبة!

انتهى الطريق مسدوداً بهذا الباب الذي يحمل بقايا ورقة مكتوب عليها اسم ثلاثي ورقم ثماني... دون أدنى معلومات؟

قلت لزميلي: «منو هذا ومنو رقمه وليش حاط رقمه... لابد في شي ولا شرايك أبو يوسف؟»

أبو يوسف: «أنا قلتلك من البداية اليمين درب الغانمين وأنت ما سمعتني الله يهديك بس».  أخذت في الدق على الباب وقربت منه ويدي تتجه إلى تليفوني... قربت أكثر من الرقم وكأن الرقم بدأ بالتحرك قليلا حتى لا أشاهده!

اقتربت أكثر، وإذا بالباب يبتعد أكثر فأكثر... وفجأة انفتح الباب!

وإذا برجل متوسط العمر طعنه الزمن طعنة غدر وطبع عليه ملامح شيخوخة مبكرة، ذي شعر كثيف وذقن لم يذق الشفرة منذ سنين. فتح الباب ببطء وأخذت عيناه بالنظر وكأنه لم ير بشراً منذ سنين، اقتعنت بأني خارج كوكب الأرض وربما خارج مجموعتنا الشمسية.

- قلت له: السلام عليكم...

- رد «رجل الفضاء»: وعليكم السلام...

- «إنته أحمد محمد أحمد؟».

- نعم هو أنا...

- «كنت بتصل عليك تو»، قلتها بابتسامة أتستر بها من فزعي.

- لي 13 شهراً لم يأتني إنسان.

- أهذه المكتبة العامة؟

- نعم.

-  «عفواً ماشوف كتب؟!»

- مكتبة بلا كتب... لي 13 شهراً وأنا أنتظر وصول الكتب أو خبراً عنها أو ما سأفعله هنا.

- أنت حارس... أم موظف المكتبة ولا «شنو»؟

- أنا موظف المكتبة أُتِي بي إلى هنا، وقيل ستأتي الكتب قريباً ولم يأت «قريباً» هذا منذ 13 شهراً... أنا سعيد بوجود بشر في مكتبتي. هل أحتاج إلى أن أوضح أهمية القراءة وفوائدها وعوائدها على المجتمع والدولة؟ أشعر بالملل لتيقني بألا أحد يجهل ذلك... فالجميع يعلم ولا أحد يعمل!

تركته يستطرد بعباراته التي يقولها بمرارة... وقاطعته مفاجئاً: هل تسمح لي أن أضع علم الكويت هنا... لأثبت أنني أول من صعد إلى قمة كوكبك!

back to top