المسرح فوق أي أرض وتحت أي سماء, والأبطال تقمصوا الشخصيات لدرجة أنهم أول من صدق الأكاذيب التي تخرج منهم شخصيا, وخبراء المكياج والمؤثرات وسائل الاتصال والإعلام والتكنولوجيا استغلت جميع الموارد حتى الطائر الأزرق لم ينجُ منهم, والجمهور نحن!

Ad

الستار الأحمر مرفوع دائما، فالمسرحية بدأت منذ سنين، ولم تتوقف منذ ذلك الوقت, شخصياتها تتبدل أدوارهم بشكل دراماتيكي غريب, لدرجة أن المسرحية تصبح غير مترابطة، ولكن الجمهور كما هي الحال يختلف بوعيه، فنرى جمهور الدرجة الأخيرة يصفق لكل صرخة تكون منطقية أو غير منطقية، كما هي عادة الغوغائيين.

أما جمهور الدرجة المتوسطة، فهم يدخلون المسرحية من أجل شخصية معينة يتحدثون عن بطولاتها وإتقانها للدور, ويصدقون المسرحية لدرجة أنهم يتشاجرون أن "طاء" من الممثلين هو من قتل الساحر بسيف "ويليام والاس" الذي يبلغ من الطول 170 سم، ويقسمون على ذلك متناسين أننا في القرن الـ21، وأن السيف ليس في الكويت!

أما جماهير الدرجة الأولى فهم حملة شهادات النقد المسرحي, وحفظة التواريخ والعارفون بأخطاء التمثيل السابقة والحالية, ويتوقعون الأحداث بسهولة، ويقرؤون ما بين السطور, فلا ينخدعون بصراخ بطل المسرحية حول أموال المساكين واتهامه محارب القصر بأنه يوزع أموال الجزيرة النائية لوعاظ السلاطين, لأنهم يعلمون أن البطل في المشهد الأول استلم 50.000 شاة لم توزع على الفقراء كما قال وأشاع.

لكن الخوف كل الخوف من تلك الثلة الجالسة على الشرفة, فهم يعدون على الأصابع، لكنهم يمتلكون أغلب الجمهور، إما مباشرة وإما من خلال إعطائهم كراسي لمشاهدة المسرحية, ويكتبون سيناريوهات المسرحيات ويدفعون للشخصيات أجورهم، ويتحكمون بخبير المكياج الذي يقلب الباطل حقا والحق باطلا, والأدهى من ذلك أنهم يحاربون بعضهم من خلال شخصياتهم ومن خلال سيناريوهاتهم... تباً لهم كيف يمرحون.

يقول أبو المسرح السوفييتي ستانسلافسكي: "أعطني مسرحا، أعطك شعبا مثقفا", لكن كذب ستانسلافسكي فنحن لدينا أكبر مسرح في العالم، وهذا المسرح لم يساهم إلا بالمزيد من الجهل والتخبط, وإن كان أساس المسرح في اعتقادي يقوم على الحرية، فلقد اخترنا بحريتنا أن نكون عبيدا لأبطالنا الورقيين، ولو كنا في زمن الأساطير اليونانية لرأينا إله المسرح ديونيسوس (باخوس) يبصق اشمئزازا على ما يراه، كما بصق الوالي في وجه "أبي الحصاني"... تصفيق.