الربيع العربي والتدخل الإنساني
تحدثنا من خلال مقالات سابقة عن حاجة الباحثين والمهتمين في مجال السياسة الدولية إلى الأسلوب المتجدد لتحليل العلاقات الدولية وتفهم عملية اتخاذ القرار في الفترة الحالية الخاصة بتداعيات الربيع العربي وما بعده. أقول ذلك بعد متابعتي لتسابق المؤسسات الأكاديمية الأجنبية والمراكز البحثية للوصول إلى مفاهيم جديدة للعلاقات الدولية، واختبار قدرة المدارس الفكرية المعروفة على تفهم الواقع العربي.فالتدخل الإنساني Humanitarian Intervention الذي لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول ماهيته حتى يومنا هذا؛ فالباحث جوزيف ناي يرى أن التدخل الإنساني عبارة عن ممارسات خارجية تؤثر في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، وروزينو يرى أنه يجب أن يكون للتدخل تأثير إيجابي أو سلبي في الدول المستهدفة، بمعنى أن السلوك يجب أن يكون إيجابياً في التدخل لإنقاذ الشعوب من الكوارث.
ونحن في العالم العربي نعتبر التدخل الإنساني اليوم اختباراً لعملية اتخاذ القرار الدولي والعربي معاً، خصوصاً تجاه الحالة السورية، فالمتابع لانتفاضات الدول العربية وعمليات التغيير، والمراقب للشأن الليبي والسوري معاً لا يملك إلا أن يحتار أمام تباين مواقف الدول والمنظمات حول التدخل لإنقاذ المتضررين.فكيف تعامل العالم مع حاجة المجتمع السوري إلى التدخل الإنساني؟ وهل يكفي فتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات؟ لنستعرض المواقف الدولية والعربية لعلنا نتوصل إلى مؤشرات أو عوامل مشتركة تدفع الدول لاتخاذ قرار مصيري، سواء كان عبر اتباع النموذج الليبي أم الاكتفاء بتوزيع المساعدات.لنبدأ بالأمم المتحدة... فالمفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي أدانت ارتكاب القوات السورية جرائم ضد الإنسانية من خلال قمعها الحركات الاحتجاجية، وفشل مجلس الأمن أدى إلى تشجيع النظام السوري على استخدام القوة المفرطة لسحق المعارضة، أما الجمعية العامة فقد أصدرت قراراً قبل أسابيع عدة لإدانة انتهاك حقوق الإنسان في سورية ووقف العنف. أما موقف الولايات المتحدة، فقد استبعدت كلينتون التدخل العسكري الصريح وتكرار الطريقة الليبية... وفرنسا التي قادت حملة دولية برئاسة ساركوزي لإقناع العالم بضرورة التدخل العسكري في ليبيا تفضل اليوم حسب تصريح وزير خارجيتها أن تكون هناك ممرات إنسانية آمنة "فقط " لمساعدة المنكوبين.وفي بريطانيا، حذر وليام هيغ من اضطراب المنطقة وعدم وجود قرار من الأمم المتحدة، لكنه دعا إلى تضييق الخناق دبلوماسياً واقتصادياً. واستبعدت الممثلة السامية للاتحاد لشؤون السياسة الخارجية والأمن، كاترين أشتون، تطبيق السيناريو الليبي، أيضاً، واكتفت بالمطالبة بتشديد العقوبات الاقتصادية على دمشق عبر تجميد أرصدة البنك المركزي السوري ووقف الطيران وتجميد أرصدة الأسد ومسؤولين سوريين.أما منظمة حلف شمال الأطلنطي "الناتو، التي قادت حملة جوية لمساعدة ثوار ليبيا وفق تفويض مجلس الأمن بحماية المدنيين لمدة سبعة شهور، فقد أكد أمينها العام راسموسين ألا نية للتدخل في سورية أو حتى تسليح الثوار أو المعارضة.وعلى الجانب العربي، وفي الوقت الذي ترحب فيه بعض الدول الخليجية بالتدخل العسكري المباشر، تتبنى الكويت موقفاً عقلانياً في ظل ترؤسها لأعمال الدورة الحالية للجامعة، ويتضح ذلك عبر دعم وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد لدور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان (الأمين السابق للمنظمة الدولية)، ويضع أمامه مسؤولية التدخل الإنساني إلى جانب الحوار السياسي بين الحكومة السورية والمعارضة في الفترة القادمة.ونستخلص مما سبق أهمية وجود استراتيجية لتنفيذ التدخل الإنساني بشكل سريع وفعال بالتنسيق مع الأمم المتحدة كجهة تنفيذية في ظل إشراف دولي ودعم عربي.