الواضح أن الحكومة قد استجابت لمطالب النقابات العمالية النفطية التي هددت بالإضراب الكامل عن العمل ما لم تقر زياداتها المالية الجديدة، وهو الأمر الذي لم أكن أستبعده في الحقيقة، أعني الاستجابة الحكومية، فالحكومة قد عودتنا على هذا الأسلوب... عنتريات ومراوغات وعبث سياسي، ثم الاستجابة بعد الرفض الذي كان أصلا غير منطقي، وبعيدا كل البعد عن قواعد دول المؤسسات والدول التي تحترم شعوبها.

Ad

موضوع الزيادات المالية للقطاع النفطي لها قصة من المهم معرفتها لمن هو خارج القطاع، أو لا يعرف خلفيات الموضوع، وهي أن الكوادر المقترحة كانت بناء على توصية من مؤسسة البترول الكويتية، وفقا لدراسة أجرتها شركة استشارية متخصصة قامت بمقارنة سلم الرواتب مع سوق العمل في المنطقة المحيطة، وتقدمت بمقترحاتها بناء على ذلك، إلا أن مجلس الخدمة المدنية- وهو الذي ليس له شأن أصلا حسب بعض الآراء القانونية، التي تقول إن الأمر برمته هو من اختصاصات مجلس البترول الأعلى الذي أحال الموضوع إليه بلا سبب وجيه- ضرب بهذه الدراسة عرض الحائط، وهي التي تكلفت مبلغا وقدره، وجاء بمقترحات للزيادة من عنده بشكل ارتجالي، وبلا أي أساس علمي أو موضوعي.

أي أن المسألة برمتها وباختصار، عبث سياسي كالمعتاد، ولهذا فقد أصرت النقابات العمالية على الاستمرار في الإضراب إلى حين الأخذ بالدراسة العلمية المقرة سلفا، وبناء على ذلك لم تملك الحكومة سوى الانصياع لصوت العقل والموافقة على هذه الدراسة والزيادات المقترحة. شخصيا أبارك لموظفي القطاع النفطي حصوله على زياداته المالية المقرة، بما أنها كانت مبنية على أساس علمي ومتوافقة مع زيادات رواتب سوق العمل المماثل في المنطقة، لكن مع ذلك يجب علينا أن نتوقف هنا للتأمل في مجمل مسار الحدث. الحكومة لم توافق على هذه الزيادات من باب الاقتناع، فهي قد تلكأت في إقرارها ابتداء ثم عاد مجلس الخدمة وأقر زيادات ارتجالية من عنده تحت الضغط، ثم جاءت الحكومة وأقرتها انصياعا لاستمرار العمال بالتهديد بالإضراب الكامل، ناهيك عن الرأي القانوني القائل إن الأمر ليس من اختصاص مجلس الخدمة أصلا، مما يعني أن الموضوع بأسره تخبط في تخبط! هذا العبث، إن نحن نظرنا إليه بنظرة متجردة، هو دعوة حكومية صريحة لكل القطاعات الأخرى، وخصوصا تلك التي لم تراجع رواتبها منذ مدة بعيدة ولا يوجد لديها لوائح تتبع ذلك، بأن تحذو حذو نقابة عمال النفط، وما كنت لألوم أي قطاع إن هو فعلها، فللناس عقول ستدرك أن هذه الطريقة هي التي تؤتي ثمارها، وأما المطالبات على استحياء فلا بواكي لأهلها.

إن المنهج السليم، هذا إن كانت الحكومة تكترث بمثل هذا الكلام أصلاً، يقتضي منها استخدام مسطرة واحدة عند التعامل مع الزيادات المالية المختلفة، ليكون بذلك منهجها ثابتاً متوازناً، فلا يصح لها على الإطلاق أن تنظر في زيادات قطاع ما، في حين لا تلتفت إلى قطاعات أخرى لسنوات طويلة، فما ذنب الموظفين في تلك القطاعات أن تتحمل ضريبة هذه اللعبة السياسية التي تقود الأمور؟! يا سادتي إن من حق الموظف في أي مكان في العالم أن يأخذ راتباً مجزياً عن عمله، يتماثل مع ما هو موجود في سوق العمل ويتناسب في ذات الوقت مع معدلات التضخم، ولهذا فالحكومات المحترمة تضع آليات صحيحة لمتابعة إنتاجية الموظف الحكومي وتربط هذا ربطا حقيقيا بأدوات تقييم الأداء والمكافأة والمحاسبة والعقاب وبإجراءات صارمة لضبط التسيب والانفلات في الالتزام بالعمل، وتشرع كذلك في الكفة الأخرى بمراجعة الرواتب بشكل دوري على أسس علمية موضوعية، وذلك في كل قطاع على حدة وفقا لطبيعة عمله.

هذا هو المنطق والتصرف الموضوعي، فإما أن تقوم به الحكومة على أكمل وجه، وإلا فلا يلومنّ أحد موظفي هذا القطاع أو ذاك، إن هم قرروا اللحاق بمن سبقوهم فنالوا زياداتهم عبر التلويح بالإضرابات!