بعدما مرَّ أكثر من عام كامل على ما يسمى "الربيع الأردني" فإنه حان الوقت لمراجعة صادقة بعيدة عن الانحيازات السياسية، سواء في هذا الاتجاه أو ذاك، وهنا فإن أول ما يسترعي الانتباه هو أن هذا الربيع الأردني بقي ربيعاً مزهراً وواعداً، بدون أنواء ولا عواصف، وكل هذا رغم أن قيادات بعض القوى الداخلية قد دعت إلى العصيان المدني منذ اللحظة الأولى، وأن هذه القوى، ومعها بعض "نهّازي" الفرص، قد حاولوا جرَّ البلاد إلى العنف وإراقة الدماء، على غرار ما يجري في الجارة العزيزة والشقيقة الغالية سورية، أعانها الله على الخروج من هذه المحنة القاسية.

Ad

كان الاعتقاد لدى مَن كانوا يراقبون المشهد الأردني من الخارج أن عواصف وزمجرات الشتاء العربي ستصل إلى الأردن، وكانت تطلعات بعض القوى التي كانت تعيش بطالة سياسية فعلية أن تعم الفوضى البلاد، وأن يخرج قطار النظام الملكي عن مساره التاريخي المعتاد، وأن يتخلى عن تسامحه ويفقد صبره، فتكون النتيجة طامة كبرى، وبخاصة أنه من المفترض أن موقع هذا البلد يجعل أهله كلهم لا يملكون ترف الإقدام على أيِّ مغامرة ستكون عواقبها بالتأكيد وخيمة ومكلفة.

لم يكن هؤلاء الذين راقبوا المشهد الأردني من الخارج، ومعهم بعض الأميين سياسياً من قادة بعض التشكيلات والتنظيمات المحلية التي لم تحقق رغم طول أعمارها التنظيمية أي إنجاز حقيقي يمكن الاعتداد به، لا للأردن ولا للإسلام ولا للأمة العربية، يدركون أن هذا النظام قد صمد أمام عواصف الخمسينيات والستينيات والسبعينيات... وبدايات تسعينيات القرن الماضي أيضاً، ليس لأن قبضته كانت حديدية، وليس لأنه استخدم العنف الأهوج كما استخدمه بعض "القادة الملهمين"، بل لأنه بقي يغلّب التسامح على النزعة الانتقامية والثأرية، ولأنه بقي يتعامل مع الأردنيين، الذين "شبوا" عن الطوق، والذين جرفتهم تيارات الشعارات الجميلة والوعود البراقة، على أنهم أبناء لا تجوز القسوة عليهم، وعلى أن من حقهم على من يقودهم أن يتحمل نزواتهم، وأن يبقى يعطيهم الفرص السانحة لخدمة بلدهم... وهذا ما أحسَّ الأردنيون بأنه قد تجلَّى بصورة واضحة في الآونة الأخيرة.

ثم إن ما لم يدركه بعض المراقبين من الخارج، وما لم يعترف به بالطبع قادة بعض تشكيلات البطالة السياسية وبعض الذين تعاملوا مع كل ما جرى كلعبة صبيانية وكظاهرة ترفيهية، هو أن ربيع هذا البلد قد بدأ في عام 1989، وأن ما طالب به الأشقاء في مصر وفي تونس وفي ليبيا، وما لايزال يطالب به الأشقاء في سورية، كان الأردنيون قد حصلوا عليه قبل أكثر من عشرين عاماً، وأن قافلة الإصلاح والتغيير بقيت تنطلق إلى الأمام رغم الكثير من المعوقات الخارجية والكثير من الإخفاقات الداخلية، والكثير من الأخطاء والسلبيات التي تجسدت، أكثر ما تجسدت، في تبوؤ غير مؤهلين وغير أكفاء بعض مواقع المسؤولية.