غداً موعدنا مع الانتخابات الرابعة عشرة منذ الاستقلال فما هو تقييمنا الظاهري لها وهل هي أسوأ انتخابات مرت علينا؟

Ad

من حيث النتائج لن تكون الأسوأ على أي حال؟ فقد مر علينا ما هو أسوأ، ففي 1967 تم تزوير الانتخابات، وحتى الحكومة اعترفت بسوء أداء المجلس الذي أنجبته خلال خطاب حزيران 1970 الشهير. أما انتخابات 1981 فقد عبثت الحكومة بدوائرها الانتخابية وزادتها من 10 إلى 25 دائرة لضمان سقوط المعارضين لمشروع تنقيح الدستور، ونجحت في ذلك إلى حد بعيد بتفتيت الدوائر وتفتيت المجتمع.

لن تكون النتائج أسوأ من غيرها، ولكن أجواءها هي الأسوأ بلا منازع، غابت القضايا نهائياً، وتعمّد بعض المرشحين تصعيد الخطاب الشخصي والفئوي، بل ذهب بعضهم إلى الحط من قبيلة أو طائفة أو فئة متعمدين الإثارة ومتقصدين إياها.

نكرر أن الانتخابات هي مؤشر ليس لمَن يملك الأغلبية فحسب، ولكنها مؤشر لمكونات الصراع داخل المجتمع، وكلما قلّت العدالة وأصبحت إدارة الدولة للمنفعة الخاصة تمكنت فئة قليلة منظمة من بث الفتنة وضرب شرائح المجتمع بعضها ببعض، فالبيئة جاهزة، وكل ما نحتاج إليه هو خطاب كراهية معلن متلفز من أي طرف كان لتفجير أزمة اجتماعية يتوارى فيها العقل ويبرز فيها أصحاب الإفك.

نحن في أزمة سياسية تصارع فيها مشروع الحكم مع مشروع الدولة على مدى خمسين سنة، فلا حكم استقر ولا دولة بُنيت. ومن نتائج هذا الصراع الطبيعية تقسيم المجتمع الى فئات، وكلما ازدادت أزمة الحكم وانقسمت حلقاته ازدادت التقسيمات وهي الحلقة الأضعف. وما دامت السلطة والأسرة الحاكمة منقسمة على نفسها وتدعم هذا وذاك، لتحقيق هدف قصير الأمد في الصراع على جزء من السلطة فإن الأزمة تتفاقم،

وما تأييد خطاب الكراهية ضد فئات وشرائح اجتماعية إلا أحد مظاهر المشكلة، ففي الثمانينيات كان الهجوم والتشكيك في ولاء الشيعة بضاعة رائجة، ومازالت عند البعض ذات النغمة تتردد إلا أنها هذه المرة لا تحظى بالدعم، وبنفس المنطق تم التعامل مع البدون حتى المستحقين منهم، وأُلصقت بهم أبشع التهم ومازالوا حتى اللحظة، أما ما نراه الآن فهو تكملة لمسلسل الصراع الذي كانت آخر حلقاته سقوط الحكومة السابقة، وهي معركة لم تنته بعد، فسلاح التفاخر بالولاء واتهام الآخر بقلة ولائه يُحدِث قلقاً عاماً عند الجميع دون استثناء، فالكل متهم، إما بقلة ولاء أو بتكسب من ادّعاء ولاء، ولذا نجد تساهلاً في المطالبة بسحب الجنسية لأي كان ولأي سبب كان بدلاً من المحاكمة العادلة.

ما نراه اليوم هو مجرد إعادة إنتاج لمسلسل مكرر ولكن بصورة أكثر تركيزاً، لأن حراكاً حقيقياً آخذٌ في التشكل، وقد ينتج نقلة نوعية على المدى المنظور.

فمع شدة الألم على ما جرى ويجري فإن بوادر الانفراج آتية، ولديّ

حول ذلك مؤشرات كثيرة سنبيّنها لاحقاً.

فلننتخب غداً كما يجب أن يكون الانتخاب، في سبيل نظام اجتماعي أكثر تسامحاً وأكثر رفضاً للتصنيفات أياً كان شكلها أو نوعها أو ملتها، ولنرغم النظام السياسي على اتباع المعيار الوطني الدستوري الداعم للحريات وقبول الآخر والعدالة وتكافؤ الفرص، فعلى الأقل هذا بيدنا أن نقوم به.

فهل نحن فاعلون؟