الأحداث التي تشهدها البلاد بشكل متواتر منذ أكثر من ثلاثة أعوام تشير بلا لبس إلى أننا نتجه إلى وضعٍ ستصبح فيه الأمور خارج السيطرة تماماً، وتهيئ لمرحلة من الفوضى الشاملة التي ستجعلنا في مهب الريح، لا أحد اليوم يستطيع أن يبرِّئ أحداً من ذنب ما سيحل بالكويت عندما نصل إلى هذه المرحلة الخطيرة، فالجميع مشارك، والكل لعب ألعاباً انتهازية موالاة كان أو معارضة، حكومة ومجلس أمة، قوى اجتماعية وتجمعات مهنية واقتصادية، الجميع يمزق أوصال الوطن، ويعتقد أنه الفرقة الناجية التي تملك الحق والحقيقة، بينما الواقع أن الكل يشارك بطريقة ما في جريمة شنعاء بحق الكويت.

Ad

اليوم نحن في وضع خطير، والعتب والشجب والإدانة للأفعال المتهورة والعبث بأمن البلد لن تجدي نفعاً، ولن تُنقِذ مركباً يتهادى دون هدىً بين الأمواج العاتية، فالبلد منقسم، والعناد والتناطح سمة الأغلبية من المُمسكين بخيوط اللعبة السياسية، ومع كل ذلك يجب أن يظل الأمل سمة الشعوب الحية، والعمل من أجل تحقيق الأمل في إنقاذ البلد وعودة السكينة والهدوء إليه في ظل أوضاع المنطقة المتوترة يجب أن لا نيأس منه، لأن هذه أرضنا وبلدنا ومستقر أهلنا وأبنائنا من بعدنا، وإن كان للبعض وطن بديل فإن أغلبية أهل الكويت الساحقة لا يرتجون بديلاً لديرتهم.

أنا أجزم ومؤمن بأن الكويتيين من الشعوب الحية والمتجددة، ولولا ذلك لما استمرت هذه الأرض وطناً مستقلاً أكثر من ثلاثة عقود بدون متطلبات الحياة الضروية وشح الموارد، ولذلك فإنني أرتجي من العقلاء بالتعاون مع أصحاب القرار، العودةَ إلى الشعب ليحتكموا إليه عبر انتخابات تتم بعد ستة أشهر يتم خلالها وضع قوانين تعزز نزاهة الانتخابات والسياسيين من خلال حزمة قوانين تحدد سقف الصرف الانتخابي، والذمة المالية للقياديين ومكافحة الفساد. إن تنظيم هذه الانتخابات في وسط حراك الربيع العربي هو المخرج الذي سيعزز خيارات الشعب الكويتي، وسينهي حالة التشكيك التي يدّعيها البعض في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهذا الخيار هو النموذج الذي تلجأ إليه المجتمعات الديمقراطية عندما تصل إلى مفترق طرق وحالة انقسام شديدة وسط حالة طعن في التمثيل الشعبي.

أعلم أن هذا الخيار له مقاومة شديدة من رموز برلمانية وسياسية ليس لديها سوى حسابات المصالح الشخصية، وأخرى تعلم أن قواعدها غير راضية عما تفعله من فوضى وعبثية وتخشى خسارتها للانتخابات، ولكن لا يمكن أن تُترَك الكويت فريسةً مجدداً للمصالح الشخصية والفئوية التي أوصلتنا إلى هذه الحالة، وعلى الأغلبية والقوى الشعبية أن تجبر الجميع على هذا الخيار الذي سيمثل طوق إنقاذ للبلد، والذي يجب أن تواكبه خيارات وإجراءات أخرى داخل أسرة الحكم تحسم ما يتردد من تباينات ومنافسات داخلها، ودون أن نصل إلى اتفاق الحد الأدنى هذا الذي يحقق إنقاذاً سريعاً لأوضاع البلد، نكون اقترفنا خيانة وطنية عقابها أن نخسر هذا الوطن العظيم.

***

خيارات الشعب في انتخابات برلمانية جديدة ستجعل "حدس" تتعرف على نتيجة ما قامت به خلال العامين الماضيين من تأجيجٍ للشارع وتوتيرٍ للحياة البرلمانية، هل استطاعوا أن يجعلوا الناخبين ينسون أنهم من تسببوا في حل مجلس الأمة السابق بسبب مشروع الداو وحماية لوزيرهم محمد العليم وكوادرهم من القياديين في القطاع النفطي، وأن أحد أهم كوادرهم د. إسماعيل الشطي هو مستشار رئيسي لرئيس الحكومة، وزميله د. محمد البصيري وزير في الحكومة؟ كما ستكون فرصة لـ"حدس" لتعرف إذا كانت القبيلة التي استخدمتها طوال 30 عاماً سابقة كمخزون تصويتي، وانقلبت عليها في الانتخابات الأخيرة ستعود لتصوت لممثليها مرة أخرى أم لا؟!

***

كما أن أية انتخابات جديدة يحب أن يحترم الجميعُ الأغلبية فيها، لأنه لا يجوز "كلما فقدنا الأكثرية نطالب بالعودة إلى الشارع" و"تصفير العدادات" والبداية من جديد، كما يجب أن تُحترَم السلطات واختصاصاتها، وحتى يدان سياسي بأي تهمة رشى أو خلافه يجب أن تكون ضمن حكم قضائي من خلال تشريعات النزاهة السياسية، وليس عبر الظنون ورسائل التواصل الاجتماعي.