معركة أل التعريف في الدستور الكويتي!

نشر في 20-02-2012
آخر تحديث 20-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري أفرزت انتخابات البرلمان الكويتي "أمة 2012" وصول عدد كبير من النواب الإسلاميين "إخوان وسلف" حصلوا على 23 مقعداً أخضر، وهؤلاء بتآلفهم مع نواب "العمل الشعبي" يشكلون غالبية مريحة تتيح لهم تنفيذ مطلبهم القديم بتعديل المادة الثانية من الدستور الذي أقر 1962، وقاوم كل محاولات التعديل، والتي نصت "الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، والتعديل المقترح يريد إضافة "أل" على كلمتي مصدر ورئيسي لتصبح المادة "الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع" ظناً أو تصوراً أن هذا التعديل يلزم بعدم صدور أي قانون يخالف الشريعة، كما يلزم بإعادة أي قانون قائم غير متوافق مع الشريعة إلى مجلس الأمة.

وعلى الرغم من أن هذا المطلب ليس بجديد فإن الإسلاميين يرون أن هذه فرصتهم التاريخية لتعديل المادة؛ وصولاً إلى "أسلمة القوانين" التي تشكل قضيتهم الرئيسة، وبخاصة أن رياح الربيع العربي التي أوصلت الإسلاميين إلى السلطة في عدد من دول المنطقة، تهب مواتية معبرة عن إرادة الأمة في العودة إلى تطبيق شرع الله عز وجل.

وتحقيقاً لهذا الهدف أقامت "اللجنة الشعبية لتعديل المادة الثانية" ندوة بعنوان "صرخة شعبية" أكد المتحدثون فيها أن التعديل واجب شرعي على ولي الأمر وعلى الشعب، ومن يعارضه فهو عدو الله والرسول، واعتبروه أولى الأولويات، وتساءلوا: كيف ينزل الشعب إلى الشارع من أجل قضايا هامشية ولا يتحرك من أجل تطبيق الشريعة؟! مستشهدين بأن مخرجات الانتخابات الأخيرة دليل جلي على تعطش الشعب الكويتي لتعديل المادة الثانية، لأن القوانين الوضعية سبب في الفساد وتفشي الأمراض والجرائم وانتشار التبرج وخروج النساء.

كما طالبوا بخروج الشعب إلى ساحة الإرادة إن لم يجدوا تجاوباً من السلطتين! وفي المقابل استفز هذا التحرك قوى ديمقراطية وسياسية ومثقفين، فأصدرت كتلتا التحالف الوطني والمنبر الديمقراطي بياناً مشتركاً هاجمتا هذا التحرك، واعتبرتا التعديل انقلاباً على الدستور والأسرة الحاكمة، كما استنكرتا بيع "الدولة المدنية" مقابل رئاسة البرلمان– إشارة إلى ما قيل إنه صفقة بين الإسلاميين وكتلة العمل الشعبي– وأبدتا رفضهما القاطع للعبث بالنصوص الدستورية في ميزان المساواة السياسية، وهم رحبوا بأي تعديل دستوري إن كان لمزيد من الحريات، إلا أنهم حذروا من المساس بالمادة الثانية، وجاء في الحيثيات:

1- إن تعديل المادة الثانية فيه اغتيال للدولة المدنية القائمة على التعددية الدينية والمذهبية. 2- كما يمثل مدخلاً رئيساً لإحلال الدولة الدينية محل الدولة الديمقراطية. 3- ويمثل خرقاً صريحاً للمادة 29 القاضية بالمساواة بين الناس، إذ إن الأسلمة تعني إقصاء الأقليات الدينية والتمييز الصارخ بين الأفراد بحسب الانتماء الديني. 4- ويمثل انقلاباً على المادة 6 في كون نظام الحكم في الكويت ديمقراطيا. 5- كما يمثل سيف إعدام على رقبة المادة 4 التي تنظم توارث الإمارة.

وختم البيان بحث الشعب الكويتي بجميع قواه الديمقراطية ومؤسساته وجموعه الشبابية للتصدي لمحاولات اختطاف البلد لفئة ضيقة على حساب مكونات المجتمع الكويتي.

كما نظم قسم القانون ندوة قال فيها الخبير الدستوري د. محمد الفيلي إن المادة الثانية فيها سوء فهم لعدد من الأطراف بمن فيهم المشرع، وأكد النائب السابق عبدالله النيباري أن الطرح المثار حول المادة سياسي، واستنكر سياسيون وحقوقيون التعديل، فقال الخبير الدستوري لبيد عبدال: لا حاجة للتعديل لأن معظم التشريعات الكويتية تتفق مع مبادئ الشريعة، وأضاف بأن المادة حتى لو عدلت فلن تتعارض مع المادة (4) "الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح" لأن التعديل سيتناول القوانين وليس مواد الدستور.

ونضيف هنا: بأن الحكم الوراثي المقبول شعبياً– ضمناً أو صراحة– لا مجال للقول بمخالفته للشريعة، وقد ساد هذا الحكم التاريخ الإسلامي كله، ولم يعترض عليه جمهور الفقهاء.

وحذر الكاتب خليل حيدر من أن تعديل المادة قد يكون قفزة ضخمة في المجهول، وقد يكون قانون الجنسية ومعظم الامتيازات الممنوحة للكويتيين أولى ضحاياه، ومن المفارقات اللافتة أنه بينما يحاول "الإخوان" في مصر التفاهم مع السلفيين في البرلمان لتمرير عبارة "الدولة المدنية" في الدستور الجديد لإرضاء القوى الليبرالية، نجد الإسلاميين يتفاهمون مع "العمل الشعبي" في البرلمان الكويتي، لبيع "الدولة المدنية"!

هذا الجدل ليس بجديد، فقد حصل قبل 50 عاماً في مداولات البرلمان الكويتي طبقاً لعبدالله بشارة حين تم طرح الفكرة من بعض النواب، وكان رد الخبير بأن الصيغة الموجودة في الدستور فيها من المرونة بحيث تغطي كل ما هو مطلوب من الشريعة كمصدر أساسي يسمح بالإفادة من التجارب الخصبة.

ونحن إذا رجعنا إلى المذكرة التفسيرية لدستور الكويت نجد أصحابها يبررون وضع النص بهذه الصيغة "الشريعة مصدر رئيسي للتشريع" بأنه "توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكماً لها أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تمشياً مع ضرورات التطور". وتضيف المذكرة "وكل ذلك ما كان ليستقيم لو قيل: الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، إذ مقتضاه عدم جواز الأخذ عن مصدر آخر مما يوقع المشرع في حرج بالغ".

ومع تقديرنا لهذا التفسير فإن ما جاء في المذكرة من أن الشريعة تعني "الفقه الإسلامي"، وأن إضافة "أل" التعريف على كلمتي مصدر ورئيس، مقتضاها عدم جواز الأخذ من المصادر الأخرى، غير مسلم بهما، فأولاً: المقصود بالشريعة هنا، الأحكام الشرعية الثابتة بالنصوص القرآنية والنبوية، والتي لا يجوز مخالفتها تشريعياً وإلا طعن فيها دستورياً، وليس "الفقه الإسلامي" الذي هو مجرد اجتهادات وأفهام بشرية متغيرة ويجوز مخالفتها، ولعل د. الفيلي قصد هذا الموضوع حينما تحدث عن سوء الفهم، وثانياً: لا يلزم من إضافة "أل" التعريف، عدم جواز الأخذ من المصادر الأخرى والوقوع في الحرج.

وللتوضيح أود أن أذكر أنه إبان وضع الدستور القطري 2003 حصل جدل حول نص المادة الأولى "الشريعة مصدر رئيسي"، ولم يقل "المصدر الرئيسي"، فاستحضرنا ما ذكره الفقيه الدستوري الكبير د. عبدالحميد متولي في كتابه "الشريعة كمصدر أساسي للدستور" 1975، من أن هذين التعبيرين "المصدر الرئيسي" و"مصدر رئيسي" هما في هذا المقام لا يختلفان مغزى ومعنى، وإن اختلفا لفظاً ومبنى، لأن الدستور حينما نص على أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع إنما أراد التنبيه إلى أمرين:

1- إلزام السلطة بأن تستمد التشريع من الشريعة بحيث يعتبر النص المخالف لمبادئ الشريعة– وليس مجرد المخالفة لآراء الفقهاء– نصاً غير دستوري لا يجوز العمل به.

2- أن هناك مصادر أخرى للتشريع لم يرد ذكرها في الدستور– الأعراف الدستورية، التشريع، مبادئ العدالة، مواثيق حقوق الإنسان– وقد ورد في تشريعات أخرى أقل مرتبة منه، وطالما ورد النص في الدستور على أن الشريعة مصدر رئيسي ولم ينص على مصدر آخر سواها في مرتبتها، فمعنى ذلك أن الشريعة هي المصدر ذو المرتبة الأعلى، وتعد المصادر الأخرى التي تنص عليها القوانين العادية الأقل رتبة من الدستور، ذات رتبة أدنى لا يجوز لها أن تتعارض مع مبادئ الشريعة، فلا فرق إذن بين: المصدر الرئيسي أو مصدر رئيسي في المضمون والجوهر.

* كاتب قطري

back to top