كما توقعت، وأكدت لأكثر من صديق سابقاً، فإن قانون كشف الذمة المالية للقياديين والسياسيين لن يكون من الأولويات الآنية للأغلبية البرلمانية الحالية، لأنني على يقين بأن كثيرين من هذه الأغلبية ممن يعلنون تأييدهم له في العلن، ويضمرون له المعارضة الشديدة في السر. وتلك المجموعة المعارضة لقانون كشف الذمة المالية هي من الرموز التي تقود الأغلبية (كتلة الإرادة) ولها الكلمة المؤثرة في قراراتها، والتي لن تعدم إيجاد المبررات والأسباب لتأجيل هذا القانون ووأده لاحقاً.

Ad

ورغم أن المجلس الحالي أتى على أثر مجلس أمة سابق تم تعطيله وحله على وقع قضية "القبيضة" والتحويلات المليونية، التي كان يستوجب نتيجة لها أن تكون القضية المستحقة والمستعجلة الأولى والتعامل الفوري مع قضية النزاهة السياسية عبر إقرار قانون كشف الذمة المالية الذي أشبع دراسة وبحثاً منذ عام 1996، وشاركت في بحثه كافة القوى السياسية طوال تلك الفترة، وليس اختلاق الأعذار والتحجج بحاجة اللجنة التشريعية البرلمانية لبحثه من نقطة الصفر، بل إن واجب أغلبية الإرادة التي خاضت الانتخابات البرلمانية الأخيرة تحت عنوان واحد فقط، وهو محاربة "القبيضة"، حتى ان رموزها رفضوا حتى الجلوس معهم، أن تدخل البرلمان الجديد وهي تحمل ملف قوانين النزاهة السياسية، وعلى رأسها قانون كشف الذمة المالية لتثبت أنها بالفعل ستفتح مرحلة جديدة من الأداء السياسي في البلاد كما تطالب الحكومة والسلطة أن تفعل.

غياب قانون كشف الذمة المالية عن أولويات كتلة الإرادة في اجتماع ديوان النائب الصيفي الصيفي في أول شهر عمل برلماني يكشف أن قضية نواب المعارضة في المجلس السابق لم تكن "قبيضة" وإيداعات مليونية، بل إن جزءاً كبيراً منها ذو صلة بأغلبية مفقودة وصراعات مناصب عليا ورغبة في إزاحة رئيس حكومة قطعوا كل جسور الاتصال معه، لأن أولويات ديوان الصيفي من تقاعد مبكر وخلافه كانت سهلة التمرير في المجلس السابق، كما مرت قوانين كادر المعلمين وزيادة مكافأة الطلبة والتقاعد المبكر للمرأة وغيرها من القوانين الشعبية، ويكشف أيضاً أن لجان التحقيق الجديدة للتحقيق في الإيداعات المليونية وغيرها لا تخرج عن كونها مناكفة وانتقاماً سياسياً، خاصة وأن هذه القضايا معروضة على القضاء، واجتماع ديوان الصيفي أوضح أيضاً أن نواب كتلة الإرادة أو الأغلبية ستقاتل في السر لمنع قانوني كشف الذمة المالية والرقابة على الصرف على الحملات الانتخابية وتقنين نفقاتها لأنهما يمسان مصالح رموز تلك الكتلة... ومرة أخرى تعيشون وتشربون غيرها يا رموز التيار المدني الوطني الذين شاركتوهم في ساحة الإرادة تحت شعارات محاربة "القبيضة" والفساد.

***

رئيس وزراء مصر كمال الجنزوري كال في بيان له الأحد الماضي أمام مجلس الشعب المصري جملة من الاتهامات، كان يلمح بها إلى دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً بأنها تحاصر مصر ولم تقدم المساعدات المالية المطلوبة لها، وهو بالتأكيد يمثل عدم لياقة وكياسة من رئيس وزراء يمثل مرحلة انتقالية قصيرة، وهو لا يعدو كونه قائماً بالعاجل من الأمور، حتى يتسلم الإخوان المسلمون السلطة ويشكلوا حكومة الأغلبية. ودول الخليج حسب معلوماتي قدمت ما تستطيع أن تقدمه في ظل عدم استقرار الأوضاع في مصر وضبابية الرؤية بشأن مصير مساعدات مالية كبيرة لو قدمت في ظل هذه الظروف، ولمن وأين ستؤول، وهنا وحسب ما أستقرأه من معلومات، فإن حكومات الخليج ستحافظ على علاقات متينة وقوية مع الشعب المصري، ولكنها ليست معنية بتقديم عون غير طبيعي لإنجاح تجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر، وعليهم أن يقدموا نموذجهم للحكم كما فعل الإخوان المسلمون (حزب العدالة) في تركيا الذي أتى في ظل أوضاع متوترة مع أوروبا التي رفضت انضمام تركيا إليها، وقدموا نموذجاً اقتصادياً في الانفتاح السياحي والحضاري، وهو المطلوب من إخوان مصر حالياً، أما مطالبة دول الخليج بأمور تتعارض مع مصالحها وسط تهديدات أذرع الإخوان لها، فهو ضرب من الجنون. أما السيد الجنزوري فعليه أن يمضي فترته الانتقالية بسلام دون خلق توترات جديدة لمصر، فالأمر لا يعنيه، بل يعني الإخوان المسلمين الذين سيتسلمون السلطة قريباً في مصر.