اليهودي ستيفان هسل... يدعو إلى الغضب ضد الظلم الصهيوني
تصدر قريباً عن «دار الجمل» في بيروت الترجمة العربية لكتيّب «اغضبوا» للكاتب ستيفان هسل (بتوقيع صالح الأشمر). هذا الكتيّب الذي يشبه «البيان»، بيعت منه آلاف النسخ وتفوّق على مبيعات كتب جائزة «غونكور»، ولم يكن مؤلفه يتوقّع أن يحدث كل هذا النجاح والتأثير في الوسط الثقافي والسياسي.يدين المؤلّف في كتيّبه هذا كل أشكال اللاإنسانية التي يتعامل بها بعض الساسة الغربيين تجاه المهاجرين غير الشرعيين والغجر الروم أيضاً، كذلك يدين دكتاتورية السوق التي أفقرت وما زالت تفقر الطبقات المتوسطة وتزيد فقر الفقراء بينما الأغنياء لا تزيدهم الأزمات الاقتصادية إلا غنى فاحشاً ومن ثم لاإنسانية فائقة تجاه مهمّشي العالم، وهو يقول للشبان «أنظروا حولكم، (...) ستجدون أوضاعاً ملموسة تحملكم على الانخراط في عمل مواطني مؤثر. فتّشوا تجدوا»!
والكاتب في هذا السياق يهاجم إجهاز السياسات الاقتصادية على كثير من المكتسبات الاجتماعية التي حقّقتها المقاومة وكذلك النضالات الاجتماعية التي تلتها، ويقول في مفتتح الكتاب: «كان الحافز الأساس على المقاومة هو الغضب. وإننا لنهيب نحن قدامى حركات المقاومة والقوات المحاربة لفرنسا الحرّة، بالأجيال الشابة أن تعمل على إحياء ونقل ميراث المقاومة ومثلها العليا. ونقول لهم: تسلموا الراية، اغضبوا! ولا يجدر بالمسؤولين السياسيين، والاقتصاديين، والمثقفين، وعموم المجتمع، أن يستقيلوا، ولا أن يستسلموا لتأثير الدكتاتورية الدولية الراهنة للأسواق المالية التي تهدد السلام والديموقراطية». يضيف المؤلف: «لقد أتاحت لي حياتي الطويلة سلسلة متتالية من أسباب الغضب. لم تكن تلك الأسباب وليدة انفعال بقدر ما كانت ثمرة إرادة التزام». ويعتبر أن «تاريخ المجتمعات يتقدّم، وفي النهاية، بعد أن يبلغ الإنسان حريته الكاملة، نحصل على الدولة الديموقراطية في شكلها المثالي». ويستنتج بأن «ثمة تصوراً آخر للتاريخ. فأوجه التقدم التي تحققت من طريق الحرية، والمنافسة، والركض وراء «الأكثر تقدما»، يمكن أن تكون معيشة كإعصار مدمر. هكذا يتصورها صديق لوالدي، الرجل الذي تقاسم معه مهمة ترجمة مؤلف مارسيل بروست «البحث عن الزمن الضائع» الى اللغة الألمانية. إنه الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين. لقد استخلص رسالة تشاؤمية من لوحة الرسام السويسري بول كلي، «ملاك الجديد» (أو ملاك التقدم) حيث يبسط الملاك ذراعيه كما لو أنه يصد ويدفع عاصفة يماثلها بالتقدم».أما النقد الجذري والجريء الذي أبداه ستيفان هسل فهو نقده لإسرائيل من دون هوادة ولا مواربة، فهو إن كان مع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإنه لا يتردد في توجيه الاتهام إلى إسرائيل بعنصريتها وعنجهيتها وإمبرياليتها كونها تهدم كل ما يمكن أن يحقق هذا السلام باستخفافها بحقوق الإنسان واتباعها سياسة التقتيل والتهجير والعنصرية الواضحة. ويخصّص هسل فصلاً كاملاً في كتابه، للحديث عن الظلم الذي حلّ ويحل بالفلسطينيين من المحتلين الصهاينة، خصوصاً الظلم الذي حلّ بقطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة والذي يحل بها منذ أربع سنوات بسبب الحصار، فيشير إلى أنه بسبب الحصار، فإن قطاع غزة تحوّل الى سجن كبير تحت سماء مفتوحة حيث الناس يفعلون ما يستطيعون كي يمكنهم الاستمرار بالعيش. ويضيف هسل: «حالي مثل حال القاضي الأفريقي- الجنوبي (ريتشارد غولدستون، الذي كتب تقريراً عن جرائم الحرب الصهيونية)، أتعجّب أن أرى يهوداً يقترفون جرائم حرب. هذا غير محتمل. مع الأسف التاريخ لا يرينا كثيراً من الأمثلة حول شعوب تتّعظ من تاريخها».في فصل آخر من الكتاب، يتحدّث المؤلف عن التظاهرات السلمية في قرية بلعين الفلسطينية للاحتجاج ضد جدار الفصل العنصري، مستهزئاً بالصهاينة الذين يعدون هذه التظاهرات نوعاً من «الإرهاب اللاعنفي». يدعو الكاتب إلى مقاومة سلمية للظلم الاجتماعي والسياسي كيفما كان شكله وذلك باستلهام برنامج «المجلس الوطني للمقاومة» الذي تصدى للاعتداء النازي على فرنسا، فالذي استدعى تلك المقاومة هو الغضب والسخط الذي أثاره الاحتلال والإمبريالية في نفوس المقاومين، لذلك هو يدعو إلى استلهام الغضب. يقول المؤلف: إنه لأجل غضب وحركة أكثر فاعلية ومصداقية يجب التحرك مثل ما كان الأمر عليه في الماضي عن طريق شبكات وتجمعات: منظمة العفو، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان... كل تلك المنظمات هي مثال حي على ذلك. في رأي هسل، اللامبالاة هي «أسوأ المواقف».تتضمن ترجمة دار الجمل مجموعة من المقالات حول قضية هسل وكتيب «اغضبوا»، منها لباسكال بونيفاس وجان ايمانويل ديكوان، وكاترين دافيد، ومعظمها يتحدث عما تعرض له هسل خصوصاً بعد إلغاء الحوار معه والذي كان مقرراً في «دار المعلمين العليا» في باريس. ثمة من اعتبر أن عنوان الكتاب ذاته «اغضبوا» صرخة في وجه كثير من اللوبيات ومراكز القرار الاقتصادي والسياسي والإيكولوجي في الغرب، وبعد صدور الكتاب سارع ما يسمى بـ «المكتب الوطني للمراقبة ضد اللاسامية»(يضم بعض الكتاب المؤيدين لإسرائيل) الى رفع دعوة على هسل بتهمة معاداة السامية على رغم أن الرجل يهودي ابن يهودي وذاقت عائلته عذاب الترحيل نفسه في الحرب العالمية الثانية من القوات النازية.نبذةهسل كاتب وسفير فرنسي سابق. وُلد في برلين في العام 1917 لأب يهودي وأم بروتستانتية. كان مقاوماً ضد الاحتلال الألماني واعتُقل في المعسكرات النازية ثم نجا لاحقاً بأعجوبة. أصبح أحد معاوني الجنرال شارل ديغول، وشارك، قبل دخوله المعترك الدبلوماسي، في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. باع كتابه الأخير «اغضبوا» أكثر من مليون ونصف مليون نسخة واتّهم على أثره بمعاداة السامية. حصل على جائزة «فرانتز - فانون» عن كتابه «السكان الأصليون» الذي نشره فى عام 2010 وبيع منه أكثر من 1.4 مليون نسخة. من مؤلفاته: «مواطن بلا حدود/ محادثة مع جان ميشال هلفيغ» (2008)، و{يا لذاكرتي، والشعر، وافتقاري» (2006)، و{رقص مع القرن»(1997).