مصر الثورة الجديدة!
حين تلقيت، قبل ثلاثة أشهر، دعوة كريمة من "مختبر السرديات" في مكتبة الإسكندرية، لحضور ندوة حول أعمالي الروائية، وتقديم شهادة روائية، لمع في ذهني في اللحظة ذاتها، أنني سأكون في مصر الجديدة، مصر ما بعد ثورة 25 يناير السلمية العظيمة، وإن ذلك وحده يعدّ مناسبة مهمة تستحق الترحيب. لذا لم أتردد في قبول الدعوة، فمن رأى ليس كمن سمع، خاصة وأن دعوة أخرى جاءتني من "مكتبة الشروق"، ناشر مجموعتي القصصية الجديدة "سرقات صغيرة"، لإقامة أمسية ثقافية نقدية، احتفاءً بصدور المجموعة، وتسليط الضوء على عوالمها القصصية. لحظة وصولي إلى القاهرة، ومع أول خطوة لي في المطار، استشعرت وكأن روحاً جديدة تلوح باسمة على الوجوه، ورددت بيني وبين نفسي: "هي مصر كانت وستبقى، مصر العروبة، تحمل عبقها الخاص، وثوبها البهي، في كل العصور، وفي أقسى المنعطفات". رحت أختلس النظر، واسترق السمع، لنظرات عابرة، أو كلمات متطايرة هنا أو هناك، لأعزز ما ذهب إليه قلبي، بأني في مصر جديدة، وأنها بالضرورة تختلف عن مصر أخرى، كانت قبل الثورة.
إن الانتفاضات العربية السلمية، التي انطلقت شرارتها، في طول وعرض أقطار الوطن العربي، مع بداية عامنا الحالي، تنادي بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وإسقاط أنظمة الدكتاتورية والاستبداد والظلم، ولأنها تمسّ حياة كل مواطن عربي، من المحيط إلى الخليج، فإنها جعلت من حدث الانتفاضات اليومي زاداً يقتات عليه المواطن العربي أينما كان. ولكوننا نعيش عصر الإعلام، وطغيان الصورة، فإن صوراً بذاتها طبعت ألوانها النارية على لحم قلب المواطن العربي، وأصبحت بين ليلة وضحاها صوراً لعهد جديد، وصوراً لحياة جديدة يطمح الإنسان العربي لتذوق طعمها. طوال وجودي في القاهرة والإسكندرية، وأنا أمشي على قدمي بين الناس، قرب نهر النيل الأحب إلى قلبي، وعلى شاطئ الإسكندرية الآسر، كنت أبحث عن الجديد، جديد حياة الثورة الفتية، حياة الإنسان البسيط، الإنسان الباحث عن لقمة عيشه اليومية، والمهموم بتأمين مستقبله ومستقبل أبنائه. فليست الثورة مظاهرات ميدان التحرير، وليست مطالب الشباب الثائر، ولا هي ردود أفعال المجلس العسكري. الثورة في لبّها قامت لدفع الظلم والاستبداد، وقامت لتطالب بحياة حرة، تضمن العيش الكريم للمواطن المصري البسيط. ولأن الثورة ما زالت في مرحلة مخاضاتها الأهم، فإن جل ما تمخضت عنه، هو شعور غامر للمواطن بانتصار إرادته الشعبية السلمية على نظام مخيف بجبروته، كان يحجّم أحلام الناس، وأنه صار بمقدور المواطن المصري الخطو بثقة في بلده، وأن يرفع صوته بحرية، دون خوف ليعلن مطالبه. وأن شعوراً طاغيا لدى مختلف شرائح المفكرين والمبدعين والمثقفين وعامة الناس، بأن ثورة 25 يناير السلمية، وضعت حدا فاصلا لما كان قبلها، وما سيأتي بعدها. عبر التاريخ البشري، كانت هناك انتفاضات وثورات إنسانية عظيمة رسمت منعطفاً جديداً ليس في محيطها وبيئتها، بل إن موجات تأثيرها تعدت شواطئها بكثير، ولا أظنني مبالغاً إذا ما رأيت في الانتفاضات العربية، منعطفاً إنسانياً كبيراً سيرمي بظلاله ليس فقط على أقطار الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، بل قد يتعدى ذلك ليعيد رسم ملامح صورة الإنسان العربي لدى الآخر، أياً كان ذاك الآخر، وأن هذه الملامح الجديدة ستمحو كثيراً من الظلم الذي لحق بسمعة الإنسان العربي. حضور أمسية دار الشروق في القاهرة، وندوة مختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية، وبقدر ما كان يخص أعمالي القصصية والروائية، فلقد جاء ليكون حضوراً للمشهد القصصي والروائي الكويتي في قلب المشهد الثقافي المصري الراهن، لاسيما مع تواجد سفير دولة الكويت في القاهرة الدكتور رشيد الحمد، ومشاركته الفاعلة في النقاش، التي أكدت أصالة وعمق العلاقات الثقافية بين مصر والكويت، وألا شيء أقدر على أن يجمع العربي بأخيه العربي أكثر من الإبداع، والحلم بلحظة أجمل قادمة.