هذه هي النسخة الرابعة عشرة من الانتخابات البرلمانية في الكويت. منذ 1963 أو بالأحرى 1962، تغيّرت مسائل كثيرة، وانهمرت مياه جارفة من تحت الجسر وربما فوقه كذلك. تغيّرت مفاهيم وحلّت قيم مكان قيم، وتباينت الأمور مجتمعياً، وتغيّرت أساليب الانتخابات. تغيّرت الدوائر وهي مفاتيح الارتكاز في العملية الانتخابية، فمن 10 دوائر إلى 25 ثم أخيراً الخمس التي كنا "نبيها"، أي إن التغييرات في الأدوات الانتخابية لم تكن من النوع العابر بل في الأرض والديموغرافيا ولم تكن شكلية. تغيّرت كذلك مفاهيم التواصل وأساليب الإقناع حتى وصلت اليوم إلى عالم تويتر ومن يدري ما الذي يخبئه لنا الزمن من متغيرات. إلا أن كل هذه المتغيرات لا يبدو أنها تمكّنت من تغيير نمط الطرح والمعالجة لدى الكثير من المرشحين الأفاضل، فهم مازالوا يتكلمون بنفس الأسلوب إياه ويَعِدون نفس الوعود، ومازالوا يقولون إنهم في حال نجاحهم سوف يفعلون كذا ويعملون كذا وينشئون كذا، بل إن البعض كانت لديه الجرأة أن يعلن أنه سوف يتقدم بخطة خمسية للتنمية، ولا تنتهي تلك "السوفيات" أبداً. فالبعض يتحدث عن تحويل البلاد إلى سابق عهدها، والبعض سيبني قطاراً تحت الماء، والآخر سوف يغلف البلاد ضد الحر، حكايات قديمة، أدرجها أخناتون في برنامجه الانتخابي وقيل حمورابي ضمن رؤاه المستقبلية. مازال نوابنا الأفاضل يمارسون نفس العادات والتقاليد البالية. بعض نوابنا مازال "يترزق" أصواتاً بوعود تغيير المادة الثانية من الدستور وهو يعلم جيداً أن طريقها مسدود. فتعديل الدستور يتطلب ثلثي النواب وموافقة سمو الأمير وهو ما لم يتحقق لأن هناك بعض التفسيرات الدينية المعلنة ضد الحكم الوراثي، وبالتالي نقض المادة الرابعة وغيرها من مواد الحريات، فكيف سيُحَل ذلك التناقض الذي طفا بعضه على السطح عندما احتدم خلافهم الشرعي حول مشروعية التظاهر من عدمها أو حتى حول طلب الولاية؟ يفهم المطالبون ذلك ويدركون استحالة مروره، كما يدرك مرشحون آخرون استحالة تنفيذ وعودهم للناس، ولكنه موسم الكلام المجاني وربما نصف المستوي أو ربما حتى غير المطبوخ، فالكل مستعجل على صوت بلا صورة ولا إطار، فالصورة ضائعة ومشوشة. سينتهي موسم بيع الكلام ويتربع بائعو الوهم على كراسيهم وينسى الناس أنهم انتخبوهم، ونعود إلى ذات المأزق بين نواب ضائعين فرديين وحكومة عاجزة عن الإنجاز، لنبدأ مشروع أزمة جديدة واحتقاناً جديداً، ثنائية مقيتة لا يتحرك فيها مجتمع ولا يتقدم خلالها بلد. إن كان هناك أمل فهو في تحول الحراك الشعبي الشبابي إلى أدوات رقابية حقيقية على الحكومة والبرلمان. وسحب البساط من تحت المزايدين وبائعي الوهم وغيرهم من الفاسدين ومراقبتهم باستمرار، حتى لا تصبح حياتنا السياسية مجرد انتخابات تُنصَب فيها خيام وتُفرَد فيها الموائد ويضيع فيها وطن. أغلب مرشحينا ظرفاء لأنهم غير جادين، ويعلمون أنهم غير جادين، ويعلمون أن الناس يعلمون أنهم غير جادين، ولكنها جزء من الديكور والكوميديا السوداء التي تعم أجواء الضجيج الانتخابي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخر كلام
مرشحون لكن ظرفاء
07-01-2012