لا يمكن لأي ناظر، من داخل أو خارج، الوطن العربي، إلا أن يشهد بأن جميع أقطار الوطن العربي، ولا أستثني أي بلد، تمر بمنعطف تاريخي، ربما هو الأهم بعد حركات التحرر العربي. ويتمثل في الثورات والانتفاضات العربية الراهنة، عبر حراك شعبي كبير ومتفجر، وإن اختلفت طبيعة هذا الحراك وحدة تفجّره بين بلد وآخر. لكن ما يجمع هذا الحراك الشعبي العظيم، هو انه انطلق بهمة وتخطيط شبابي عصري، وبمشاركة جميع أطياف المجتمع، وأنه يتسم بطابع سلمي يدين الدكتاتورية والطغيان والاستبداد والظلم والفساد، ويطالب بمزيد من الحريات والممارسة الديمقراطية، على أمل أن تعود الأمة العربية إلى مكانها ومكانتها بين الأمم.

Ad

"الشعب يريد إسقاط النظام"، العبارة التي دخلت قواميس العالم، منطلقة من حناجر المصريين، تقول ببساطة متناهية إن طرفي النزاع هما الشعب والنظام، وان الشعب يريد إسقاط النظام والتخلص منه، واستبداله بنظام ديمقراطي عادل ونزيه يستطيع تحقيق آمال أبناء الشعب، وإنقاذهم من الفقر والجهل والتخلف. وإذا كان هذا الشعار قد انطلق بحراك شعبي، بعيداً عن أي حزب، فإنه دلّ بشكل قاطع على أن الشعوب العربية شعوب حية، قادرة، مهما طال صبرها، على التضحية بزهرة شبابها شراءً لمستقبل مؤمل، وأنها خرجت عارية الصدور متعطشة لحياة كريمة. وهذا بدوره فضح تأخر الأحزاب العربية عن نبض الشارع، ووضع خطاً أحمر تحت دور المبدع والمثقف في قيادة الرأي العام في بلده.

ربما بسبب أوضاع الأقطار العربية المعيشية المزرية وقبضة أنظمة الحكم الحديدية، تعلقت أحلام المواطن العربي البسيط بالقرار الحكومي أملاً بأن يأتي بشيء يسدّ رمقه. لكن هذا لا ينفي أن الأدب والأديب العربي ظل على الدوام في القلب من هذا الوجع. وأن الدارس لمجمل الإبداع العربي بعد هزيمة 67، يرى أنه جاء بنبرة عالية من الانكسار، يدين خزي وتخاذل وفساد الأنظمة العربية، ويجرّم نظامها القمعي، وكم تحمل الكتّاب والأدباء العرب الشرفاء في سبيل موقفهم هذا، ودفعوا ثمناً باهظاً له؟

يظهر الأدب في أجمل تجلياته، حين يستطيع قراءة واقع حياة أي مجتمع من المجتمعات، في لحظته الماثلة. ومن ثم التنبؤ بضرورة التغيير ورسم ملامح حياة مستقبلية قادمة. وتبدو الدلالة كبيرة حين تكشف الأيام صدق النبوءة وتحقق ما ذهب إليه الكاتب. وهذا ينطبق تماماً على رواية "أجنحة الفراشة" للكاتب محمد سلماوي، الصادرة بطبعتها الأولى عن الدار المصرية اللبنانية، قبل أيام قلائل من تفجر انتفاضة 25 يناير.

في مشاهد كثيرة من الرواية، يقف القارئ متسائلاً مع نفسه: أيعقل أن تتطابق نبوءة الرواية مع الحدث الذي تلاها إلى هذه الدرجة؟ ولولا أن الرواية قد نزلت إلى المكتبات قبل اندلاع الانتفاضة وكُتبت عنها مقالات نقدية، لكن من الصعب جدا تصديق انها توقعت بما سيأتي بهذه الدقة المدهشة.

"توقف المرور تماماً في ميدان التحرير فأصيب قلب المدينة بالشلل الكامل" ص7، هكذا تأتي الجملة الأولى في الرواية، لتجعل من ميدان التحرير رمزا لانطلاق أحداثها، وهو ما تحقق تماماً خلال الثورة.

الرواية تأتي بصيغة الراوي العليم، وعبر 32 مشهداً، يرسم الكاتب لوحة دالة لتحولات مصر من قبضة النظام الحاكم وحزبه، إلى مصر الثورة، وكما لو أن الكاتب كان يقرأ في لوح المستقبل.

"أجنحة الفراشة"، بدءا بدلالة عنوانها مروراً بأحداثها، تؤكد قدرة الكاتب العربي على معايشة وقراءة ما يعتلج في نبض مجتمعه، وأن يكون لساناً لهذا المجتمع، وتؤكد من جهة ثانية رؤيته الثاقبة، وجراءته في أن يقول كلمة الحق، أياً كان الثمن الذي سيدفعه مقابلها.