خطوة في الطريق الصحيح
عانى النظام السياسي الكويتي ومازال جوانبَ قصور واضحة أسهمت بشكل ملحوظ في إضعافه وهشاشته، ولئن كان السبب الرئيس لذلك هو الصراع المستمر بين مشروع الحكم ومشروع الدولة فإن ذلك لم يمنع من حدوث تحولات في الإطار التطوري التدريجي، تدفع باتجاه تحويل المجتمع إلى دولة مدنية ترتكز على أسس ديمقراطية حقيقية، وعادةً ما تحدث تلك التحولات في وسط الصراع السياسي الطبيعي. هكذا نرى الخطوة التي أعلنها مجلس الوزراء مؤخراً بتبنيه إنشاء المفوضية المستقلة للانتخابات واللجنة الوطنية للحملات الانتخابية، وإن تمت تلك الخطوة ورأت تلك المفوضية النور فنحن أمام لحظة تاريخية جديدة. أعمل منذ أكثر من 6 سنوات على نشر الوعي بضرورة وجود تلك المفوضية التي تتولى الإدارة والإشراف على العملية الانتخابية من بداية التسجيل إلى إعلان النتائج، ولنا أن نتذكر فقط أن النتائج التفصيلية للانتخابين الأخيرين لم تعلن بعد، مع كل ما يجلبه ذلك من تشكيك واتهام بالتلاعب، فضلاً عن أن لدينا تجارب لم تكن مشرقة مع الإدارة الحكومية للمرفق الانتخابي، مثل التزوير المباشر سنة 1967 والتلاعبات المتنوعة في السنوات اللاحقة. وهكذا فإنه لم يعد مقبولاً في هذا الزمن لبلد يزعم أنه ديمقراطي أن يستمر في إيكال إدارة الانتخابات للحكومة وهي طرف له مصلحة مباشرة في نتائج الانتخابات، وبالطبع فإن مفوضية الانتخابات المستقلة ليست إلا خطوة مستحقة ضمن خطوات إصلاحية أخرى كهيئة مكافحة الفساد ومفوضية حقوق الإنسان وغيرهما حتى يبدأ المجتمع في خلق مؤسسات تتجاوز الثنائية المدمرة بين الحكومة والمجلس. أتوقع مبكراً، من خلال مشاركتي في صياغة مؤسسات مماثلة في دول أخرى، أن يتركز الخلاف حول المفوضية على ثلاث قضايا، الأولى درجة استقلالية المفوضية وتبعيتها واستقلالية ميزانيتها، وأفضل الصيغ هي الصيغة المشتركة بين الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني وربما القضاء وأصحاب الخبرة، أما القضية الثانية فتتركز على درجة شمولية نطاق عمل المفوضية، وإن كانت تختص بانتخابات البرلمان والمجلس البلدي فقط، واقتراحي هو أن تتولى المفوضية الإشراف على كل أشكال الانتخابات في البلاد بما في ذلك الجمعيات التعاونية والأندية الرياضية وجمعيات النفع العام وغيرها، وبالتالي يتم استبعاد الوزارات والهيئات الحكومية عن الإشراف الانتخابي بالكامل لضمان النزاهة والحياد ومنع التدخل السياسي، أما القضية الخلافية الثالثة التي ستكون جزءاً من الجدل فهي طبيعة الصلاحيات الممنوحة للمفوضية، وأفضل صيغة لذلك هي منح المفوضية صلاحيات واسعة تصل إلى درجة الضبطية والإحالة المباشرة إلى النيابة في حالات الجرائم الانتخابية. هذه مجرد ملاحظات على هامش الفكرة تجمعت لديّ من مشاركتي في صياغة مشاريع مفوضيات مماثلة في عدة دول، وقد كانت كل حالة لها مسارها الخاص وظروفها المختلفة، ولكن في كل التجارب التي أعرفها، بغض النظر عن بعض جوانب القصور، قد لعبت المفوضية المستقلة للانتخابات دوراً أساسياً في استقرار المجتمع وترشيد العملية السياسية ويحدث ذلك كلما حرص المجتمع حرصاً شديداً على إبعاد تشكيل المفوضية عن التجاذبات السياسية ومنحها صفة الاستقلالية والنزاهة. نأمل أن نكون على درجة من الوعي تتيح لنا أن نرى شيئاً منطقياً يتحقق بدلاً من جعجعة بلا طحن وشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.