درويش الشاعر أم الإنسان
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
على أية حال الإشكال دائما في تصوير الحياة الشخصية لعلم من أعلام السياسة أو الفكر أو الأدب وهنا تواجهنا عقبة الشخصية البيضاء التي يراد لها أن تنطبع في أذهاننا عن سيرة المجسد دراميا أو كتابيا. أتذكر قبل سنوات كنا ندرس رواية "بينما أنا محتضرة" للكاتب الأميركي الكبير وليام فولكنر وفي بداية النقاش تناول الأستاذ المحاضر سيرة الكاتب الشخصية والتي انتهت عام 1959 أثناء سقوطه عن ظهر جواد فأصيب بجروح خطيرة مات على إثرها بسكتة قلبية عام 1962. هذه التركيبة عن وفاته والتي يسطرها الكتاب الذي يقرأ منه الأستاذ سيرة الكاتب بدت لنا مربكة. فوضع الأستاذ الكتاب جانبا، وربما كان يفعل ذلك كلما حاضر عن فولكنر، وقال سأقول لكم ما ليس في الكتاب. كان فولكنر شديد التعلق بالنساء وتنوعت علاقاته النسوية حتى بلغ عمراً لم يعد معه قادرا على إغراء امرأة فأخذ يتحرش بفتيات صغيرات السن ولم يكن له منهن ما يريد فامتطى جواداً وهو مخمور وسقط عنه ومات نتيجة تهتك الأنسجة.وليكن نحن نعشق فولكنر الكاتب، أما فولكنر الإنسان فهي قضية الإنسان فولكنر وحده. ليس من الإنصاف أن نطلب منه أن يكون شخصية نقية منزهة لا تعرف الخطأ الآدمي لمجرد أنه كاتب كبير تأثر به أجيال من الكتاب وعلى رأسهم ماركيز. لو أن الكتاب الذي قرأ منه الأستاذ تحدث بذات الشفافية عن فولكنر لما استطاع أن يمس إبداعه وفنه ورأينا بإبداعه وفنه.نعود إلى شاعرنا الكبير محمود درويش وهو بالتأكيد شخصية عاصرها رهط كبير من الشعراء والنقاد والأصدقاء، ونقل لنا عنه الكثير من شخصيته، ولكن هل يجرؤ عملنا عنه أن يتحدث عن سيرته الشخصية كما هي؟ إذا كان شعره هو أساس العمل فبإمكان فيلم أو مسلسل وثائقي عنه أن يؤدي الغرض بكفاءة عالية دون الحاجة إلى تجني فراس إبراهيم على الشعر. ومتاهة أي عمل سيرة هي اختلاط السيرة الشخصية بفن صاحبها حتى يبدو الخيط بينهما رفيعاً لدرجة الغموض.