"شبيحة" النظام السوري من العرب العاربة والعرب المستعربة نسوا لواء الإسكندرون منذ عام 1998، بل قبل ذلك ولم يتذكروه إلاّ بعد أن اعتَدَل رجب طيب أردوغان في وقفته، وعدّل سياسة تركيا وحوّلها من التحالف مع نظام دكتاتوري واستبدادي وقاتل، إلى التعاطف حتى حدود الاحتضان مع الشعب السوري وانتفاضته المغمسة بالدماء الزكية، وتبنّي المجلس الوطني الذي غدا عنواناً لهذه الانتفاضة، والذي من المنتظر أن يتواصل الاعتراف به ,على غرار خطوة المجلس الانتقالي الليبي, كممثل شرعي لهذا الشعب.

Ad

في عام 1998 كان حافظ الأسد بمنزلة طاووس المنطقة، فهو يسيطر على لبنان سيطرة كاملة، وهو، مستنداً إلى دعم إيران والتحالف معها، كان قد فرض نفسه كرقم رئيسي في المعادلة الشرق أوسطية والمنطقة العربية، وهو بالإضافة إلى كل هذا كان يمسك بعنق العراق، وكان يضغط ضغطاً موجعاً على أطراف أصابع تركيا من خلال احتضانه لـ"عبد الله أوجلان" وتبَنيه لعمليات حزب العمال الكردستاني التركي عبر الحدود السورية- التركية، وهو كان قد أغلق أبواب الجولان أمام كل أشكال المقاومة ليتفرغ للتلاعب بمعادلات المنطقة، وهو كان يصبر صبر أيوب على كل استفزازات إسرائيل له واستفزازاتها لجيوشه التي كانت تحتل معظم الأراضي اللبنانية باستثناء الجنوب بالطبع.

وهكذا في لحظة واحدة انقلبت كل هذه الأمور رأساً على عقب، حيث أبلغت تركيا دمشق وبعض العواصم العربية أن قواتها ستصل خلال ثمانٍ وأربعين ساعة إلى مدينة درعا على الحدود الأردنية، إن لم يجرِ طرد عبدالله أوجلان وفدائييه من الأراضي السورية، وإن لم يوقف حافظ الأسد التلاعب بأمن الأتراك، وإن هو لم يسلم هذا "المتمرد" التركي تسليم اليد إلى السلطات التركية، ثم فوق هذا كله، إن هو لم يطوِ صفحة عروبة لواء الإسكندرون وإلى الأبد.

وهذا هو ما حصل بالفعل، حيث جرى تمزيق كل الخرائط التي تظهر لواء الإسكندرون امتداداً للأراضي السورية، فباتت كل الطرق بين سورية وتركيا سالكة وآمنة ونسي "القومجيون" العرب, الذين يعتبرون أن القومية هي الارتباط مرة بنظام صدام حسين، ومرة ثانية بنظام "ملك ملوك إفريقيا" معمر القذافي، ومرة ثالثة بنظام حافظ الأسد ونظام نجله الذي جاء بما لم يستطعه الأوائل، وتجاوز والده في الذبح والتدمير والتشريد, لواءَ الإسكندرون، وظنوا أن الدنيا ستبقى "قمراً وربيعاً" وأن لحظة انقلاب المعادلات لن تكون، وأن أنقرة ستبقى تحتضن دمشق لتبقى "أوجلان غيت" صامدة، وليذهب اللوائيان زكي الأرسوزي والشاعر العظيم سليمان العيسى إلى الجحيم.

لكن، ولأن رجب طيب أردوغان لم يستطع تحمل المذابح التي ارتكبها بشار الأسد ضد شعبه، لا إنسانياً ولا سياسياً، ولأنه اتخذ هذا الموقف الذي سيسجله التاريخ له بحروف من نور فإن "شبيحة" النظام السوري من الكتبة العرب قد تذكروا لواء الإسكندرون، وانخرطوا في حملة مزايدات رخيصة، وكأن الذي طوى صفحة هذا اللواء هو الشعب السوري وهو المجلس الوطني، وليس حافظ الأسد وابنه بشار وحكومتهما "الرشيدة"!!.

والغريب والمستغرب أيضاً أن هؤلاء "الشبيحة" قد بادروا إلى هذه اليقظة القومجية بالنسبة للواء الإسكندرون وبقوا يتناسون أن عربستان محتلة من قبل إيران، وأن اسمها أصبح "خوزستان" وأن الإيرانيين فوق هذا يحتلون ثلاث جزر عربية هي "طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى"!!.