يلاحظ أن باقي ما تبقى من فلول الشيوعيين العرب قد بادروا إلى الاصطفاف إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، انطلاقاً من تصديقهم لكذبة أن كل هذا الذي يجري في سورية هو مؤامرة خارجية تستهدف هذا النظام "الممانع والمقاوم"! وذلك مع أنهم يعرفون أن هضبة الجولان المحتلة محرمة على المقاومين، وأن رامي مخلوف كان قد اعترف بالنسبة لهذه المسألة بأن أمن إسرائيل من أمن الدولة السورية.

Ad

لم تبقَ هناك أي أحزاب شيوعية عربية، والموجود ما هو إلا بقايا تنظيمات مهترئة هي عبارة عن قيادات بلا قواعد لا تمارس من النضال إلّا إصدار البيانات التي بقيت تتكرر على مدى سنوات طويلة، والغريب أن هذه الفلول الحزبية مستمرة في ذيليتها لموسكو مع أن "الاتحاد السوفياتي العظيم"! قد أطيح به ولم يعد قائماً، ومع أن هذا الثنائي الحاكم بوتين-ميدفيديف يستمد شرعيته من اعتبار أنه استمرار لبوريس يالتسن الذي أطاح حكم الحزب الشيوعي وأنهى دولة تحالف العمال والفلاحين التي كان بناها فلاديمير لينين قبل نحو تسعين عاماً.

حتى "الرفيق" محمد بركة الذي يعتبر نفسه ممثلاً للحزب الشيوعي (راكاح) في الكنيست الإسرائيلي، قد بادر بعد طول انتظار إلى اللحاق ببقايا شيوعيي الأردن وشيوعيي لبنان, الذين باعوا دم المناضل الكبير فعلاً جورج حاوي لقاء مكانة مهينة في حضن "حزب الله", وإطلاق تصريحات "عرمرية" وصف فيها ما يجري في سورية بأنه مؤامرة إمبريالية خارجية، وأن نظام الرئيس بشار الأسد قد استُهدف لأنه نظام "تقدمي"! ولأنه يحتضن, وأي احتضان, المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية.

كان على هذه الأحزاب الشيوعية العربية أن تفعل ما فعلته الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية لو أنها لم تكن مجرد أبواق لـ"الاتحاد السوفياتي العظيم"! وكان عليها أن تفعل ما فعله الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي كان قد بادر إلى حل نفسه مبكراً واستبدال اسمه السابق باسم حزب الشعب واختار الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية على اعتبار أنه حركة وطنية لا علاقة لها بأي تنظيم خارج الساحة الفلسطينية.

ففي دول أوروبا الشرقية بادرت كل الأحزاب الشيوعية في بلغاريا ويوغسلافيا القديمة وهنغاريا وبولندا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا القديمة أيضاً إلى حلَّ نفسها بمجرد انهيار "الاتحاد السوفياتي العظيم" والتحول إلى أحزاب وطنية ديمقراطية لا علاقة لها لا بالبيان الشيوعي الشهير ولا بالماركسية-اللينينية ولا بصراع الطبقات ولا بالطبقة الكادحة ولا بدكتاتورية البروليتاريا، ولهذا فإن بعضها قد احتفظ بمكانته السابقة ولكن بأسلوب جديد وبمنطلقات وممارسات غير المنطلقات السابقة.

والسؤال المحير هنا هو: كيف يمكن يا ترى أن يضع حزب شيوعي, من المفترض أنه علماني وأنه مع حركات الشعوب ضد أنظمتها الدكتاتورية, نفسه إلى جانب نظام طائفي قمعي يبطش بشعبه كل هذا البطش وإلى جانب حزب مذهبي متخلف يؤمن بولاية الفقيه ويمارسها هو حزب حسن نصر الله... ألا يعني هذا أن فلول الأحزاب الشيوعية العربية لا تزال وفية للنمط الستاليني البغيض الذي كان بالنسبة إلى حقوق الإنسان والحريات العامة أسوأ كثيراً من النازية الهتلرية في ألمانيا ومن الفاشية الموسيلينية في إيطاليا؟!