توضيح: كنت أرسلت هذا المقال إلى «الجريدة» صبيحة يوم الاثنين، وقبل أن يعلن النائب الوسمي تجميد استجوابه، وقد ارتأيت نشره بالرغم من ذلك، لأن فكرته الأساسية لاتزال صالحة.
***بالأمس قلت لأحد الأصدقاء: الظاهر أن شعبنا صار يجري منه الأدرينالين مجرى الدم، أي أنه صار حاضراً للانجراف والوقوع في الاستفزاز والانفعال طوال الوقت، وكأنه أدمن التوتر، وصار يشعر بالضجر كلما هدأت الأمور. وكان تعليقي هذا في أعقاب إعلان النائب د. عبيد الوسمي نيته استجواب رئيس الحكومة، مما أدى إلى اشتعال الساحة بالحديث عن الأمر.والأمر، وكالعادة لم يتوقف عند مناقشة الخبر فحسب، بل تجاوزه إلى تبادل الاتهامات ما بين من يؤيدون توجه الوسمي للاستجواب ومن لا يؤيدونه، حتى وصلت القذائف إلى من التزموا الهدوء والحذر في محاولة لاستجلاء الأمر، فطالتهم على طريقة إن لم تكن معي فأنت ضدي!ورغم أن إعلان الوسمي استجوابه للرئيس كان مفاجئاً للأغلبية العظمى من النواب والمراقبين والسياسيين، فإنني كنت أفترض أنه مع كثرة الاستجوابات وكثرة الأزمات السياسية التي مرت علينا خلال الفترة القصيرة الماضية، يجب أن نكون قد اكتسبنا شيئاً من التعود، فلا يثير عندنا استجواب جديد أو أزمة سياسية كل هذا الصخب والضجة، لكن وكما قلت في البداية، يبدو أني كنت مخطئاً!على كل حال، وبغض النظر عن هذا كله، فالكل يعرف أن الاستجواب حق صرف لأي عضو في البرلمان، والنظام الدستوري نصّ على هذا الحق بكل وضوح، وبالتالي فللدكتور الوسمي كل الحق في أن يقدم استجوابه، مثلما أن لأي نائب آخر الحق نفسه، كائناً ما كانت الأجندات والنوايا المخفية، وهي التي لا يحق لنا محاسبتها ولا الحديث عنها أصلاً.الدكتور الوسمي رجل أكاديمي متخصص في الدستور والقانون، وليس شخصاً طائشاً فارغاً، كآخرين قد نبيح لأنفسنا أن نقول عنهم ذلك، وبالتالي فهو يدرك ما يفعل تماماً، وما يريد الوصول إليه من وراء هذا الاستجواب، وأيضاً، وكما تناقل كثيرون في «تويتر» بحماس، هو رجل حر وليس بتابع لأي كتلة سياسية، حتى يعود إليها بالاستئذان فيما يفعل، وأنه يقدم استجوابه من زاوية مبدئية بحتة، لا علاقة لها بالحسابات والألاعيب السياسية.من حق د. الوسمي كما ذكرت أن ينطلق في استجوابه، وليس من حق أي شخص أن يخونه أو يتهمه بأي اتهام بلا دليل طالما أنه لم يخرج عن إطار صلاحياته الممنوحة له دستورياً، ولكن في المقابل، فذات الأمر لا يعطي أياً كان الحق في تخوين من لم يوافقوه على تحركه، فمثلما أنه حر وليس بتابع لأحد، هم أحرار أيضاً وليسوا بتابعين لرؤيته وفكرته التي لم يشاركهم بها، وفاجأهم بها منفرداً، طالباً منهم التوقيع معه على صحيفة الاستجواب.والدكتور الوسمي هو صاحب المقولة التي انتشرت: «احترمونا نحترمكم»، وعليه، فحقه للاستجواب محترم ومقدر، وحقهم في عدم الموافقة على توقيته أيضاً يجب أن يكون مقدراً ومحترماً.البعض يقول لي بالأمس إن الانتصار للكرامة ونصرة المظلوم هي أمور مبدئية ليس لها توقيت ويجب ألا يكون فيها تردد، وأقول إن هذا صحيح، ولكن أداة الاستجواب هي خطوة سياسية يقويها التنسيق وتشد من أزرها مشاركة الآخرين في صناعة قرارها، خصوصاً عندما يكون هؤلاء الآخرون هم ذاتهم أولئك النواب الذين أثبتوا عبر الفترة الماضية أنهم ليسوا نواباً متخاذلين أو هيابين من السلطة. ولنتذكر يا سادتي، أن الاستجواب بحد ذاته ليس غاية، إنما هو أداة ووسيلة يفترض فيها أن توصلنا إلى النتيجة والغاية، وبالتالي فإن حشد المؤيدين والداعمين له هو ما سيكفل إيصاله إليها.كنت، ومازلت، أعوّل كثيراً على د. الوسمي كنائب في البرلمان، ولكن هذا لا يمنعني أن أكون في صف من لا يوافقونه اليوم على أسلوبه في مفاجأة نواب كتلة الأغلبية بهذه الطريقة وعمله المنفرد، ووضعهم في زاوية الإحراج.مرة أخرى سأكرر: إن من حق د. الوسمي أن يقدم الاستجواب، وأنا لا أشك أن محاوره ستكون محاور جيدة، ولكن ليتذكر أنه هو من تخلى طوعاً عن التنسيق مع الآخرين وتجاوزهم، وبالتالي ففي حال عدم نجاحه ووصوله إلى نتيجة، وهو المتوقع، فالأمر سيكون من كسب يده، لا بسبب الآخرين.
مقالات
عاصفة الوسمي!
21-02-2012