أنا بضيع يا وديع... عمل متسرِّع مقتبس من فيلم بديع!

نشر في 23-09-2011
آخر تحديث 23-09-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين بخلاف المتوقّع، لم يكن «أنا بضيع يا وديع» أسوأ الأفلام التي عرضتها السينما المصرية في موسم عيد الفطر، فالأسوأ منه بالتأكيد أفلام على شاكلة «تك تك بوم»، و{شارع الهرم»، و{يا أنا يا هو».

كان «أنا بضيع يا وديع» ليكون أحد نماذج الكوميديا الجيدة، لو أدرك مخرجه شريف عابدين وكاتبه محمد فضل قيمة الفكرة التي عثرا عليها، اقتباساً من الفيلم الأميركي «المنتجون»، كتابة ميل بروكس، أحد كبار مؤلفي السينما الكوميدية في العالم ومخرجيها، ونظراً إلى نجاحها وجاذبيّتها سبق أن قُدمت مراراً في السينما والمسرح، فكانت الأولى (1968) من إخراج كاتبها نفسه وبطولة جين وايلدر، والثانية بطولة أوما ثورمان وناثان كين. كذلك قُدّمت كمسرحية استعراضية على مسارح «برودواي».

تنطلق الفكرة من أزمة اقتصادية آخذة في الازدياد يعاني منها منتج سينمائي، وبعد محاولات ومواقف يتوصّل إلى أن حلّ أزمته مع مصلحة الضرائب قد يكون بإنتاج فيلم سينمائي يلقى فشلاً كاملاً، فتشفق الأخيرة على حاله وتكفّ عن متابعته، لكن المفاجأة أن الفيلم ينجح نجاحاً كاملاً ومدهشاً!

أما الفيلم المصري فيؤدي بطولته أيمن قنديل وأمجد عابد، بعدما لفتا الأنظار في إعلان شهير، الأول يجسد شخصية المنتج السينمائي تهامي حسان والثاني يجسّد  شخصية المخرج والكاتب وديع شرف.

اشتهر تهامي بإنتاج أفلام غارقة في التجارية إلى حدّ الابتذال، وهو لا يعرف وسيلة أخرى لجلب الأرباح، بل لا يعترف بأي نوعية أخرى من الأفلام ومع ذلك يمرّ بأزمة عاصفة وتفشل أفلامه، هنا لا يكف عن صيحته أمام المخرج والكاتب الذي يعاونه: «أنا بضيع يا وديع».

بالنسبة إلى وديع فهو في الأصل مخرج وكاتب موهوب، مثقف، بدأ محاولات لتقديم سينما حقيقية، تعالج قضايا جادة تهمّ الناس وتهتم بهم، لكنه وجد الطريق مغلقاً أمامه والسينما التجارية الضحلة هي السائدة، فاستسلم وانخرط في سوقها، إلى جانب تهامي باشا أو في كنفه، يقدم له خدماته وموهبته في الكتابة والإخراج، ويبيعه هذه القدرات لقاء أن يعيش، مجرد أن يتنفس، من دون أن يحقق ذاته أو يؤكد موهبته.

حتى هذه السينما التجارية الضحلة تعاني أزمة كاملة ويحاول وديع مساعدة تهامي من خلال محامٍ يعرفه ومغرم بشقيقته (انتصار) ـ في خط فرعي في الفيلم ـ وهي على رغم تأخرها في الزواج إلا أنها تسيطر عليها تطلعات طبقية تلازمها وتتحكم بها، إلى أن تفيق في النهاية.

أما الخط الرئيس، فيصل إلى ذروته مع اقتراح وديع على تهامي إنتاج فيلم سينمائي، يوفران له مقومات الفشل كافة، كي يشهر إفلاسه وتسقط مصلحة الضرائب مستحقاتها عليه ويبدأ بعدها مجدداً من دون معاناة.

ويدخل الفيلم في طور طريف، كان يمكن أن يكون أكثر إتقاناً وعمقاً، هو البحث عن «تيمة»، أو موضوع يضمن الفشل الذريع، كأن يكون عن حرب أكتوبر، باعتبار أن الجمهور لا يقبل راهناً على أفلام القضايا الوطنية أو التاريخية، أو أحد الأفلام الجادة المجددة التي تحصد جوائز في المهرجانات الدولية، لكن لا يهتمّ جمهور السوق السينمائي بها.

يقدّم الفيلم مشهداً جيداً يسخر من السينما التي قدمت حرب أكتوبر أو غيرها من الحروب، يتمحور حول المقهى الشهير حيث يجتمع الناس للاستماع إلى الأخبار من راديو كبير، وبتنفيذ موفّق نرى الدخان يخرج منه ويحيط به لفرط سخونة الأخبار، وحين يعلن البيان العسكري العبور والانتصار، يصرخ {المعلم} صاحب المقهى بفخر ونشوة أنه سيقدّم المشروبات مجاناً للحاضرين.

وهنا ينتبه تهامي ووديع، إمعاناً في السخرية، بحق، الى أن عبور 6 أكتوبر كان في نهار العاشر من رمضان، فالناس في صيام، مع ذلك تتحدث الأفلام عن تبرّع «المعلم» الشهم وتحمّله ثمن ما يشربه رواد المقهى الذين يرقصون ويطيرون فرحاً.

ثمة اقتراحات متوالية، يستعرضها الفيلم عبر بطليه، إلى أن ينتبه تهامي إلى أن لوديع سيناريو سبق أن قدمه إليه في بداية تعارفهما ورفضه تهامي لأنه من نوعية الأفلام التي تتّسم بالجدية والتجديد، تلك التي لا يطيقها منتج تجاري نهم من شاكلة تهامي، أما اليوم فيرحّب، بل يحفّز وديع على البحث عن نصه، الذي يجده صاحبه بصعوبة وسط غبار وإهمال سنوات طوال، إنه الأمل... في الفشل.

وفي أحد المشاهد القليلة التي تخرج من البحث عن الفكاهة والإضحاك ـ ولو بأي طريقة ـ إلى طابع إنساني، يعبر وديع لشقيقته عن إحساسه الذي يجمع بين الفرح لتحقيق حلمه ومشروعه القديم والحزن لأن ذلك يتم بغرض البحث عن الفشل لا عن النجاح، لكن الأخيرة تشجّعه، وتقول له إن من حقه البحث عن النجاح والسعي إليه.

وتكون هذه، بالتمام، المفاجأة: النجاح الكبير! فهل يحزن تهامي أم يجد في الأفلام الراقية طريقاً مختلفاً للنجاح والاحترام، لم يعرفه يوماً؟ هل يفكّر أم أن الطبع يغلب التطبّع؟ أم ماذا؟

هكذا نحن أمام فكرة ثرية، وقلنا إنه كان يجب على المخرج والمؤلف أن يعرفا قيمتها أكثر... أو ربما، بحكم حجم الموهبة والدراية، لم يكن بمقدورهما أكثر من ذلك، لأنهما لم يكونا على مستواها، إضافة إلى أنهما أسرفا في المواقف و{الإفيهات» الجنسية لدواعي السينما التجارية التي يسخر منها الفيلم.

عموماً، خرج الفيلم في النهاية، عكس المتوقع، أفضل من أفلام رافقته في العرض، ووُفِّق أيمن قنديل بأداء فيه طابع الهواية وينقصه الصقل، ووُفّق أمجد عابد أكثر من زميله ونعتقد بأن له مستقبلاً، يحققه بتنمية الموهبة وما يتمتع به من حضور. كذلك وُفق الفيلم في اختيار لاميتا فرنجية في دور نجمة الإغراء والأفلام التجارية، ربما لأنها لغاية اليوم أدَّت هذه النوعية من الأدوار فحسب، من دون اختبار مقدرتها على الأداء بعد.

back to top