من خان التنوير؟
![لمى فريد العثمان](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1484143549116340400/1484143549000/1280x960.jpg)
فالقطيعة الأولى كانت عن أهم ما أنتجه التراث الاسلامي، أما الثانية، فكانت عن أفضل ما أنتجته فلسفة التنوير في الغرب، إلا أن هذا الغرب ليس شيئاً واحداً، ومن الخطأ، كما يعبر هاشم صالح، أن نعتبر "الغرب كتلة واحدة صماء بكماء"، فهناك صراع وجدل واسع بين التنويريين الجدد والقوى اليمينية، فالتنويريون الجدد يثيرون بشكل واسع انحراف التنوير عن مساره بل ويذهب جان كلود غيبو إلى أبعد من ذلك في وصفه للانحرافات بـ"الخيانة" لقيم التنوير التي أتى بها مونتسكيو وروسو وكانط وغيرهم ممن أسسوا للنزعة الإنسانية التي انتصرت على النزعات الطائفية والمذهبية والعشائرية وأنتجت مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانون والحريات. إلا أن التنويريين الجدد في أوروبا يراجعون تاريخهم ويحاكمون من خان التنوير وانحرف عنه بدءا من العصور الكولونيالية والنازية والفاشية، إلى دعم الحكومات الغربية للحكم المطلق والدكتاتوريات العربية، إلى العولمة الرأسمالية الاستغلالية التي وسعت الهوة بين العالم الغني والعالم الفقير الذي يموت فيه عشرات الملايين من الجوع سنويا.تتجسد تلك النكسة والنكبة لقيم التنوير في التحيز للأصولية الصهيونية التي تأسست على فكرة التمييز والنقاء العرقي، وهي في رأيي امتداد لعصور الفاشية والنازية. وبالرغم من تغير مواقف معظم دول العالم إزاء الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن استنكار الولايات المتحدة لسعي فلسطين اليوم إلى الانضمام إلى الأمم المتحدة والتهديد باستخدام حق الفيتو هو وصمة عار في جبين من يرفع قيم الحداثة والحقوق الإنسانية.لم يسكت التنويريون عن هذا العار ولطالما قاوموا ونددوا وخرجوا في مظاهرات احتجاجية حاشدة ضد هذه النزعات "المضادة للإنسانية" في مختلف القضايا، وطالبوا بالعودة إلى روح فلسفة التنوير، إلا أن أكبر خيبة كما يقول هاشم صالح أنك "تجد نفسك محاصراً"، فأصولية الشرق من أمامك وأصولية الغرب من خلفك... وصدق الفيلسوف الألماني هابرماس.