المقارنات دائماً تفاجئك بالنتائج، كنتُ أقلّب القنوات الفضائية، حين بدا لي معمر القذافي، ومن ثم بشار الأسد، وصولاً إلى زين العابدين بن علي وغيرهم من الزعماء الذين تعاني شعوبهم الويلات، وحينما قلّبت في القنوات أكثر جاءتني فقرة حميمية اسمها «من أقوال الشيخ زايد»، وإذا به يتحدث بهدوء في مقطعٍ قديم عن مستقبل الإمارات التي بناها بيديه، رحمه الله، أقارن بين الشيخ زايد أو الملك عبدالله وغيرهما من الذين فقدوا البساطة والرحمة والرأفة، لأجد حميميتي وعاطفتي تجاه الاستقرار أهم بكثير من الديمقراطيات المزيفة التي تأتي على الأخضر واليابس. إنني أرى أن الاستقرار الكامل المصحوب بالتنمية أولى من ديمقراطيات وجمهوريات متهالكة عمادها يقوم على مجنزرات تدعك الشعوب وتشويهم بالنار وتقطّعهم إرباً!

Ad

كان السوريون قبل ستين سنة يأتون إلى دول الخليج ونستفيد من رؤاهم، فالشعب السوري مستنير ومثقف، عاش في منطقةٍ هي ملتقى حضارات. كان للسوريين الحظوة ووصلوا إلى مناصب استشارية لدى زعماء الخليج، وكانوا نعم المساعدون والمعاونون في بناء بلداننا، وشاطرونا الحلو والمر. كانت سورية هي الأنموذج، والمثال، في الاقتصاد، والثقافة والمعرفة، والنمو، لكن الأمس تحول، وتحولت التجارة والتجّار من سورية إلى لبنان، هرباً من قوانين التأميم الجائرة، ومن السياسات الاقتصادية التي حكرت السلطة المالية وجعلتها في يد قلة قليلة أثرت، وتحول عامة الناس الذين يشكلون الطبقة الوسطى إلى طبقة فقيرة، وازداد عدد المسحوقين، بالمقارنة بما كانت عليه البلاد قبل بضعة عقود.

في موجة الثورات العربية الحالية لابد لنا أن نتساءل: هل يمكن للشعوب أن تغفر للطاغية والسفّاح ما يصنعه بها؟ هل الذاكرة التاريخية للشعوب هي التي أججت هذه المظاهرات الحاشدة؟ هل هذه الشعوب المقهورة جاءت من عمق التاريخ وأحداث الماضي الأليمة؟

لاشك أن الاستبداد الذي صبّته الأنظمة على الشعوب كان له بالغ الأثر في إذكاء الأحداث الحالية. كنا منذ فترة نحذر من الفقر والبطالة، وهما وقود الثورات الحالية، وبالذات حين يكونان في بلدٍ تسكنه الأثرة المالية، كما حدث في مصر، وقد تسرّبت عن حسني مبارك مقولة بليغة حين عاتب ابنه جمال قائلاً: «هذا ما جنيتَه عليّ» وهذه العبارة يمكن أن يتكرر نطقها لدى بعض من لم ينضم إلى زمن الإصلاح السياسي، فالشعوب التي ربض على صدورها الاستبداد لا يمكنها أن تصبر عليه إلى الأبد، فمن عمق اليأس جاءت هذه الاحتجاجات الكبيرة.

إن الديمقراطيات الكاذبة، والجمهوريات ذات الحزب الواحد، وديمومة الحكم، والتوريث في الجمهلوكيات التي بنت أنظمتها على الكذب تهاوت واحدة تلو الأخرى، فشُنق صدام حسين، ونُحّي حسني مبارك وأصبح مطارداً، وطُرد زين العابدين بن علي، ودُفع القذافي الى الاختباء في السراديب، ودُفع بشار الأسد ليخطب بكل ارتباك، ونُقل علي عبدالله صالح ليعالج من حروق خطيرة في الرياض، كل هذه نتائج الديمقراطية الكاذبة، بينما في الخليج استطاع الاستقرار أن ينتج الأمن وتمكّنت التنمية من أن تكون حاميةً لحمى الأمن القومي.

مسافة تفصل بين الخليج وبقية الدول العربية كلها في التنمية والتطور الواقعي، لكن كل ذلك التطور والتقدم، لا يعفينا من النقد الذاتي المستمر، ومن المراجعة للفعل السياسي والاقتصادي، حفاظاً على جمال نعيشه، وسيراً نحو مستقبل أكثر جلالاً وأمناً.

يجب ألا يغري استقرار الخليج النسبي، مقارنة ببقية الدول العربية، الخليجيين للدعة ويدفعهم إلى التوقف عن ممارسة الإصلاح السياسي، والاقتصادي، فأسعار برميل النفط المحلقة لابد لها أن تهبط، وحينها لن يكون الرخاء المالي الوسيلة الوحيدة لإقناع الشعوب!