ما العقبتان العُظميان أمام الدولة العربية الجديدة؟

نشر في 16-11-2011
آخر تحديث 16-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي - 1 -

لا شك أن بناء المجتمع المدني، وإقامة الديمقراطية في الدولة العربية الجديدة التي جاءت بها الثورات في تونس ومصر وليبيا، وستجيء بها في اليمن وسورية بعد حين، هما العقبتان العُظميان في هذه الدولة.

لقد كان معظم اليساريين في العالم العربي ضد قيام المجتمع المدني. وكان حالهم كحال النخب الأخرى في الاتحاد السوفياتي قبل 1991. ويقول عالم الاجتماع المصري سعدالدين إبراهيم إن "اليساريين العرب لا يوجد لديهم إيمان بقيم وممارسات المجتمع المدني، أو الديمقراطية الليبرالية التي هي الوجه الآخر للمجتمع المدني. فالنظام الشمولي الذي كان قائماً في الاتحاد السوفياتي كان يتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الفرد، ويحدد لهذا الفرد مجال حركته، ونوع تعليمه، ومهنته، وقراءاته، وهواياته، ونمط استهلاكه، بل يصوغ له وعيه وتفكيره ومحتوى ضميره، والنظام الشمولي كما عبَّر عنه جورج أورويل في روايته 1984 لا يكتفي بابتلاع فضاء الحرية (المجتمع المدني) ولكنه يبتلع دور الأسرة، أو أوثق جماعات القُربى والألفة إلى وجدان الفرد". (المجتمع المدني والجماعات القرابية، "الحياة"، 4/5/2001).

- 2 -

ولقد جاء اهتمام واحتفاء بعض المفكرين العرب المعاصرين بالمجتمع المدني، طفرة من طفرات اليساريين العرب، وكان هذا الاهتمام وذاك الاحتفاء، ينبثق من خلال كون قيام المجتمع المدني هو المفتاح لقيام ديمقراطية سليمة، وقيام مجتمع الحريات المُصانة، وانتشار الحداثة السياسية والفكرية والأدبية والفنية والاقتصادية، في المجتمع الذي يسود فيه المجتمع المدني. كما أن قيام المجتمع المدني يعني أن هناك دولة ديمقراطية قامت، وحالت بين رجال الدين والاشتغال بالسياسة وإصدار الفتاوى السياسية-الدينية، التي لا قيمة سياسية لها، وغرضها التحريض، لا نقد الذات السياسية. فيما لو علمنا أن المفكر التونسي العفيف الأخضر كان قد قسَّم رجال الدين في العالم العربي القديم والحديث إلى خمس مراتب أساسية هي:

1- القضاة.

2- الأئمة، وقد لعبوا- وما زالوا- دور الإذاعة اليومية في تطويع الرعية للخليفة الذي يضعون الولاء له بمنزلة الإيمان.

3- الفقهاء، الذين كانوا قادة الرأي، وموجهي أفكار الناس، ومفبركي الأحكام والاجتهادات، لمن يحتاجها من رجال السلطان، أو التجار.

4- المحدثون، ومهمتهم- ما عدا فئة قليلة منهم- اختلاق الأحاديث، لتبرير نزوات الحكام.

5- الوعاظ، الذين كانوا يدخلون على الخلفاء ليعظوهم، معطين لأنفسهم ولهم، الشعور براحة الضمير.

وهكذا، كان معظم رجال الدين حجر الزاوية للسلطة الأتوقراطية الخلافية، وبدون فتاواهم ودسائسهم لم يكن الخلفاء بقادرين- بكل تلك السهولة- على تصفية المعارضة بتهمة المروق عن الدين، ونادراً ما دقَّ الخليفة عنق معارض أو سياسي، قبل الحصول على فتوى شفوية أو كتابية من واحد أو أكثر من العلماء المشهورين في عصره.

- 3 -

ويُجمع كثير من المفكرين على الربط بين المجتمع المدني والديمقراطية، ومجتمع الحريات، وانتشار الحداثة السياسية والفكرية والأدبية.

يقول صموئيل هينتنغتون في كتابه "الموجة الثالثة للديمقراطية" إنه ما كان للتحول الديمقراطي أن يتم بنجاح لولا منظمات المجتمع المدني. فمنظمات المجتمع المدني هي التي تدعم الديمقراطية، وتجعلها غير قابلة للانكفاء أو الارتداد، وفي منتصف التسعينيات، لم يصبح مفهوم المجتمع المدني جذاباً وشائعاً، وإنما أصبح أيضاً غنياً في تداعياته بالنسبة إلى عمليتي الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، والاجتماعية. وأصبح المجتمع المدني- كما يقول سعدالدين إبراهيم- يتمحور حول فضاء للحرية، يلتقي الناس فيه بإرادتهم الحرة، ويأخذون المبادرات من أجل أهداف، أو مصالح، أو تعبير عن مشاعر مشتركة.

- 4 -

وفي فضاء حياة تعددية ديمقراطية، سيكون المجتمع المدني داعماً للدولة ومكوناً رئيساً من مكونات قوتها، إلى جانب السلطة التي ستتراجع عن ابتلاع الدولة، لتصبح سلطة القانون، بعد أن كانت طويلاً قانون السلطة. وذلك، من أجل أن تعود الدولة إلى مجالها الطبيعي: فضاءً وطنياً لتنظيم صراع الإرادات الحرة المستقلة، وإدارته سلمياً. ولكي تتوافر الجهود لمجابهة التحديات القومية الراهنة والمستقبلية، التي تحتاج فيها بلادنا، كبقية بلدان العالم الثالث المتأخرة. فنحن في هذه المرحلة نحتاج إلى دور أقوى للدولة في قيادة تنمية عقلانية وعادلة، يشارك فيها الجميع من جهة، وإلى مجتمع مدني أقوى، يعمل على تقوية الاندماج والوحدة الوطنية من جهة أخرى، كما يقول الباحث والناشط السياسي السوري نجاتي طيارة في، (موقع "المجتمع المدني في سورية"، على الإنترنت).

- 5 -

والسعي نحو "دمقرطة" المجتمع المدني في الدولة العربية الجديدة، ليس بالمهمة السهلة، فيما لو علمنا أن "دمقرطة المجتمع المدني" تعني:

أن تقوم الديمقراطية المجتمعية، أو "دمقرطة المجتمع المدني"، ببث مزيد من روح المسؤولية عند الأفراد تجاه التفكير والعمل على تقرير مصيرهم وعدم التسليم للدولة، بوصفها مركز تكثيف القرار المجتمعي وتوحيده، أو الاعتماد الوحيد عليها لتحقيق الأهداف والحاجات المطلوبة. فقد جاء الحديث المتزايد عن المجتمع المدني ومؤسساته في الدول الصناعية، كدليل على نضج الديمقراطية، أو اكتمالها، ونضج المجتمعات معاً، وارتفاع درجة التفاعل والتواصل بين الدولة، كما يقول المفكر والأكاديمي والناشط السياسي السوري برهان غليون ("نشأة مفهوم المجتمع المدني وتطوره من المفهوم المجرد إلى المنظومة الاجتماعية والدولية"، محاضرة في جامعة قطر، ضمن ندوة "المجتمع المدني والديمقراطية"، (14-17/5/2001).

* كاتب أردني

back to top