تحية للغوغائيين!
لم يجد البعض خلال الأيام الماضية من شيء ليعيبوه على نواب المعارضة سوى اتهامهم بالغوغائية وعدم التنظيم والصوت العالي. حسناً، لا مشكلة عندي في هذه الانتقادات، فأنا أيضاً ممن انتقدوا الكثير من خطوات نواب المعارضة، وما زلت بل سأظل أنتقد كلما رأيت منها شيئاً يمكن تحسينه، لأنهم في نهاية المطاف ليسوا سوى مجموعة من البشر يجتهدون وسيتعرضون للخطأ والزلل بطبيعة الحال، ولو قال أحد بغير هذا فليس معه من الحق من شيء.لكن هذا الأمر لم يكن ليجعلني آتيه عن التفريق بين الأمرين: نبل الهدف ومصداقيته في كفة، والخلل في بعض التحركات والخطوات في كفة ثانية، خصوصاً أن أغلب هذه التحركات والخطوات كان نتاج اجتهادات حماسية حسنة النية، وكذلك لم أكن لأتعالى على حقيقة أن هؤلاء "الغوغائيين" كما يحلو للبعض أن يسميهم، هم من لطالما وقفوا في وجه الفساد بكل إصرار، وهم من تحملوا في سبيل ذلك الكثير من الهجوم والتجريح والتخوين والألم، ولا داعي هنا لتعداد أحداث بعينها للتأكيد على هذه الحقيقة التي باتت معروفة لكل منصف. هؤلاء الغوغائيون لم ينكسروا ولم يتخاذلوا، وظلوا سائرين في ذات المسار، في حين أن أغلب من كنت أظنهم من أصحاب الموضوعية والمنطق الهادئ والعقول الراجحة، التزموا جانب الطريق، ولم يتحركوا، بل لم يفتح كثير منهم فمه ولا حتى لقول كلمة واحدة في مواجهة هذا الفساد الذي تزايد وعمّ كل القطاعات، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وغيرها، ونشط بعضهم طوال الوقت فقط في التشنيع على من يتحركون ضد هذا الفساد بقدر اجتهادهم، بل إن الأشد من ذلك والأنكى هو أن كثيراً ممن كنت أحسبهم من هؤلاء العقلاء الراشدين تخاذلوا إلى حد الانبطاح بل ركب بعضهم قاطرة الفساد!
أعترف بأني تعلمت شخصياً الكثير من ملابسات الفترة الماضية، وأعدت النظر في كثير مما كنت أظنه وأعتقده، وتراجعت عن أمور واكتسبت أخرى، وليس هذا بعيب، فالعاقل من يتعلم ويتعظ ويتطور، وإن كنت في ذات الوقت لا أزال أدرك أن الأمور لم تصل إلى محطتها الأخيرة، وأن الأيام لا تزال حبلى بمزيد من المفاجآت، لأن الصراع ما زال في أوله، وشوكة الفساد والمفسدين السامة لم تنكسر بعد، لكنني وبما رأيته من مصداقية الشباب وحماسهم على وجه الخصوص، بغض النظر عن الأخطاء التي شابت عملهم أحياناً، يجعلني مطمئناً إلى أن شعبي في نواته شعب حي، وأن هناك الكثيرين من أبناء هذا الشعب سيظلون واقفين صامدين ولن يترددوا في تقديم الغالي والنفيس لأجل هذا الوطن.نعم، بلدي لا يزال يمر في مخاض صعب، ولم يحن وقت الاستبشار بانتهاء المعركة ضد الفساد بعد، فسقوط الأسماء لا يكفي، بل لا بد من رد الحقوق إلى المال العام ولابد من محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم، ولكنني مع ذلك متفائل كثيراً بأن الكويت على الطريق الصحيح إن شاء الله، حتى إن كانت هناك تضحيات وآلام قادمة في الأيام المقبلة.وما وصلنا إليه اليوم وحققناه، من كشف لحجم الفساد ومواجهة له، بفضل الله عز وجل، لم يكن ليتحقق لولا هؤلاء الذين يسمونهم "الغوغائيين"، فتحية كبيرة للغوغائيين!