ما قل ودل: المادة الثانية من الدستور... لماذا كل هذا العناء؟
تعديل المادة الثانية من الدستور بإضافة "الـ" إلى كلمة "مصدر" في ما تنص عليه هذه المادة من أن "دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع" لتصبح "المصدر"، يتطلب حزمة من الإجراءات التشريعية نصت عليها المادة (174) من الدستور وهي: 1- أن يتقدم باقتراح التعديل ثلث أعضاء مجلس الأمة وأن يوافق صاحب السمو الأمير على الاقتراح. 2- موافقة الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه. 3- عرض الاقتراح مرة أخرى على مجلس الأمة لإقرار المادة المتضمنة لهذا التعديل، وذلك بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. ويأتي بعد ذلك: 4- تصديق صاحب السمو الأمير على الاقتراح وإصداره.
حق اعتراض رئيس الدولة مطلقويملك الأمير عند التصديق على الاقتراح بتعديل المادة الثانية من الدستور أن يعترض على ما أقره المجلس من تعديل، وهو اعتراض مطلق على التعديل، سواء رفضه الأمير من حيث المبدأ أو الموضوع، فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض. فقرار مجلس الأمة بتعديل الدستور يختلف عن إقرار مجلس الأمة لمشروعات القوانين والذي يملك فيه رئيس الدولة حق اعتراض توقيفي على مشروعات القوانين التي أقرها مجلس الأمة بطلب إعادة النظر في مشروع القانون، تملك أغلبية خاصة في المجلس إقراره مرة ثانية فيصدق عليه الأمير ويصدره إعمالا للمادة (66) من الدستور. وهو ما يطرح سؤالاً مهماً يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة وهو: لماذا كل هذا العناء؟ ما الذي يمنع أعضاء المجلس من إقرار ما يرونه من قوانين موافقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ورفض ما لا يتفق مع هذه الأحكام، في ظل المادة الثانية من الدستور قبل تعديلها، وإقرار القوانين يتطلب ما هو دون الثلثين من الأصوات، حيث يتم إقرار القوانين التي تنحو نحواً إسلامياً، مثل غيرها من القوانين، بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين في اجتماع يحضره أكثر من نصف أعضائه؟ حق مجلس الأمة في تعديل القوانين وهو سؤال لا يحتاج في الإجابة عنه إلى عناء، وقد أجابت عليه المذكرة التفسيرية للدستور في تفسيرها لنص المادة الثانية، حيث قالت بالحرف الواحد: "كما يلاحظ بهذا الخصوص من النص الوارد بالدستور- وقد قرر أن "الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة، ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ، عاجلاً أو آجلاً، بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور إذا رأى المشرع ذلك". فلماذا كل هذا العناء في اقتراح تعديل المادة الثانية من الدستور، والخطاب في هذه المادة موجه إلى السلطة التشريعية للأخذ بما تراه من أحكام الشريعة الإسلامية، باعتبارها من مصادر التشريع التي نصت عليها المادة.الثمن الباهظ الذي دفعته مصروتصل إجابة أخرى من مصر، التي كانت المادة الثانية من دستورها لسنة 1971 تطابق حكم المادة الثانية من دستور الكويت، فتم تعديلها بإضافة "الـ" إلى مصدر في الاستفتاء الذي جرى على هذا النص في 22 مايو سنة 1980 والذي وافق فيه الشعب على هذا التعديل وأصبح يجري نصها على النحو التالي "دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". فماذا حققه هذا التعديل بالنسبة إلى التشريعات التي أقرها البرلمان المصري منذ عام 1980 حتى حله بعد ثورة 25 يناير سنة 2011؟ وهل كان هذا التعديل يستأهل الثمن الباهظ الذي دفعته مصر؟ عندما عدلت في الاستفتاء ذاته المادة (76) من دستور مصر سنة 1971، فقد كانت هذه المادة تنص على تجديد انتخاب رئيس الجمهورية لمدة مماثلة، فعدلت هذه المادة في الاستفتاء لاستبدال بكلمة "لمدة" كلمة "لمدد"، وكانت إرادة الله أسبق فقد اغتيل الرئيس الراحل أنور السادات قبل أن يستمتع بتعديله، ليخلفه الرئيس حسني مبارك الذي استمر يحكم مصر وشعبها نحو ثلاثين عاماً.للحديث بقية إن كان في العمر بقية.