سلسلة الفساد تتواصل يوماً بعد يوم لتطرق أبواب البيوت، بل حتى لتدخلها دون استئذان، ووصلت الحال إلى أن نأكل ونشرب ونتنفس أنواع الفساد المختلفة.

Ad

والمشكلة الحقيقية ليست في تفشي ظواهر مثل اللحوم الفاسدة، والغبار الفاسد، واليوم الماء الفاسد، لكنها في طريقة التعاطي الحكومي مع المعلومات والبيانات والتقارير المتعلقة بخطورة الوضع البيئي والتعامل معها بصراحة وواقعية وشفافية تمهيداً لمواجهتها ومعالجتها.

وبدلاً من الاعتراف بوجود مثل هذه المشاكل البيئية وتسخير وسائل الإعلام لبيان خطورتها، ونشر الوعي المجتمعي للتعامل معها، وتقليل نتائجها السلبية، تقف الحكومة من خلال ممثليها في الوزارات والهيئات المعنية غالباً موقف التحدي والعناد والمكابرة أمام تقارير الباحثين المستقلين أو المنظمات والجمعيات التطوعية، وتبادر بنفي ما يطرح من مخاوف ومخاطر وإنكارهما، وكأننا أمام خصوم يتناطحون برؤوسهم، وتكون النتيجة استمرار مكامن الخطر والتلوث البيئي بكل أنواعه.

ولعل آخر ما طرحته الباحثة غدير الصقعبي بشأن تلوث مياه الشرب في الكويت، وعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري وحتى الحيواني، والرد الفوري من وزارة الكهرباء بالنفي القاطع يصب في هذا الاتجاه، ونحن نعلم أن من واجب الأجهزة المسؤولة طمأنة الناس وعدم خلق جو عام من الهلع، لكن ليس على حساب الأمانة العلمية والمصداقية المهنية وتبرير الأعذار للتقاعس والإهمال فيما بعد.

فالمياه ملوثة بالفعل... والخليج برمته، وبما يضم من كائنات بحرية وأسماك، منهك بيئياً ومهدد بخسائر فادحة منها فقدان الثروة السمكية، خصوصاً فيما يتعلق بالروبيان والزبيدي، والمشاريع العملاقة مثل ميناء بوبيان وجسر جابر واستمرار الإهمال البيئي ورمي كل أشكال المخلفات في البحر، هي عوامل تزيد المخاطر وترتفع معها نسب الأمراض، وهذا ما يثبته العلم، وهذا ما يتوصل إليه دائماً الباحثون من الكادر الوطني المنسجم علمياً مع مراكز البحث العالمي.

ويجب ألا يمر جرس إنذار الصقعبي وغيرها من الغيورين على سمعة البلد وسلامة أبنائه مرور الكرام؛ لتتكرر تجربة البحيرات النفطية ونفوق الأسماك والغبار المشع، ناهيك عن الغزو البيئي الذي نتعرض له من خلال استيراد الأمراض والأوبئة من مواد غذائية آخرها الخضروات الفيروسية دع عنك اللحوم الفاسدة.

إن المشكلة الأصلية لا تكمن في ظهور المشاكل والأمراض وتراكم الملوثات، وإن كان أحد أسبابها الإهمال والقصور وسوء التقدير والعلاج، ولكن في الهيئات المعنية في مواجهة مثل هذه المخاطر، فالهيئة العامة للبيئة تحولت إلى مرتع آخر للترضيات والولاءات، وتعيش حالة من الضياع والفراغ، وتسربت منها الكفاءات العلمية القليلة أصلاً، وما زالت تعاني انعدام الإدارة فيها، ولا يوجد أفق لأمل في إعادة ترتيب وتوجيه وتفعيل هذه المؤسسة.

ومبالغ التعويضات البيئية المقدرة بثلاثة مليارات دولار ما زالت تحت رحمة التنافس المصلحي والتعطيل في طرح برامج وحلول لمواجهة أخطار البيئة، ومجلس الوزراء منشغل في خلافاته الداخلية وصفقاته السياسية، ولا تحمل أجندته أي أولوية للشأن البيئي.

ويبقى السؤال المحير:

إذا كانت مياهنا سليمة وغبارنا نقيا وبحيراتنا النفطية صديقة للبيئة، وإذا كان وزير الصحة ينفي ارتباط تفشي السرطان بعوامل التلوث البيئي، وإذا كان خليجنا آخر نظافة، فلماذا مبلغ الثلاثة مليارات دولار إذن... ولنعدها إلى الأمم المتحدة «أبرك»؟!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة