إذا كانت النظرة إلى الاستجوابات عند البعض لا تتجاوز حد أنوفهم والمختزلة فقط بمفهوم الفزعة، وإذا كان الانتصار لرئيس الوزراء عندهم لا يفهم إلا من خلال الطرف المعارض له أو مجموعة قليلة منه، فما موقف هؤلاء المتعصبين من الحكم على أداء الحكومة ورئيسها من خلال مؤشرات لا تقل أهمية عن الاستجواب؟

Ad

بكل المقاييس يعتبر الانعقاد الحالي الذي ستطوى صفحته غداً بشكل رسمي مرحلة غير عادية في تاريخ الكويت السياسي، وقد أخذت الاستجوابات المتخصصة لرئيس مجلس الوزراء حيزاً كبيراً من الأحداث والمواقف والمحطات الساخنة في هذه الفترة، وما من شك في أن ثبات المعادلة السياسية الرقمية فيما يتعلق بالتوصية على عدم التعاون مع رئيس الحكومة، بغض النظر عن محاور الاستجوابات ومقدميها، كان السبب الرئيس في الدوران في حلقة مفرغة على حساب الكثير من الاستحقاقات والأولويات، وتعطيل الجلسات واختلاق بدع دستورية جديدة لاحتواء صلاحيات مجلس الأمة خصوصاً في الشق الرقابي.

وبيّن دور الانعقاد الحالي الكثير من التناقضات السياسية عكستها طريقة التصويت ومؤشراته، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث إلا في الكويت، ومثل هذه التناقضات تكشف حقيقة واحدة طالما تحدثنا عنها والمتمثلة بمفهوم العناد السياسي وصراع الكتل النيابية مع بعضها بعضا، الأمر الذي وضع الحكومة برئيسها في موقع الأمان السياسي لتستمر حالة تدهور الدولة برمتها.

وإذا انتقد البعض تصويت بعض النواب بالامتناع في جلسة عدم التعاون مع سمو رئيس مجلس الوزراء، وهو الموقف الحيادي الوحيد في رأيي الذي يجب يتخذ في مثل حالة الاستجواب الأخير، الذي افتقر من جهة إلى أي محتوى يرقى إلى درجة وزير، ناهيك عن رئيس الوزراء، ومن جهة أخرى وجود حكومة لا تستحق تجديد الثقة بها لأنها أصبحت عبئاً ثقيلاً على المشهد السياسي برمته وتتقاطر من جنباتها كل أشكال الفشل في إدارة شؤون البلاد، وتزداد يوماً بعد يوم في عهدها صور الفساد والصفقات السياسية وتردي الخدمات وضياع الأموال العامة وانعدام مصطلحات العقاب والمحاسبة في قاموسها.

وإذا كانت النظرة إلى الاستجوابات عند البعض لا تتجاوز حد أنوفهم والمختزلة فقط بمفهوم الفزعة، وإذا كان الانتصار لرئيس الوزراء عندهم لا يفهم إلا من خلال الطرف المعارض له أو مجموعة قليلة منه، فما موقف هؤلاء المتعصبين من الحكم على أداء الحكومة ورئيسها من خلال مؤشرات لا تقل أهمية عن الاستجواب؟

فرئيس الوزراء من جهة لم يحصل على أي أغلبية برلمانية في المجلس الحالي إلا من خلال التصويت على عدم التعاون، ومع كل استجواب يتراجع هذا الرقم المؤيد حتى وصل إلى الحد الأدنى الذي يسمى بالعرف السائد في المرحلة الابتدائية بالنجاح جوازاً!

وفي غير حالات الاستجواب لم يحصل رئيس الحكومة على أي أغلبية لتمرير قوانينه التي يفترض أنها تمثل السياسة العامة للدولة، بل على العكس فإن الاقتراحات المقدمة من نواب المعارضة هي التي تحظى بالأغلبية البرلمانية رغم احتساب أصوات الوزراء في التصويت ضدها!

والانتقادات التي يوجهها النواب المحسوبون على الحكومة لمؤسسات الدولة ووزاراتها وهيئاتها تفوق تلك التي يثيرها نواب المعارضة والتأزيم رغم أنها تدار تحت إشراف نفس رئيس الوزراء.

أما الكارثة المضحكة التي ستحل غداً فهي احتمال رفض ميزانية مؤسسة البترول الكويتية التي تشكلت أخيراً وفق فواتير سياسية لكسب الاستجوابات، والتي رفضت بإجماع أعضاء لجنة الميزانية المتنوعين سياسياً، أما الطامة الكبرى فهي رفض الميزانية العامة للدولة التي سماها رئيس اللجنة بـ"المجنونة"، والمفترض أن تحدد مسار البلاد وثقة النواب في كيفية صرف أموال الدولة التي بلغت هذه السنة حوالي 20 مليار دينار، وهذا تصويت في رأيي أخطر وأهم على طرح الثقة في الحكومة، فبماذا يجيبنا جهابذة السياسة المقاتلون من أجل بقاء هذه الحكومة ورئيسها ولو كسحابة صيف؟!