الله يرحمك يا عمنا وعم الروائيين العرب خيري شلبي، الله يرحمك يا مبدع شخصية «حسن أبو ضب»، ومبدع الثلاثية الملحمية «الأمالي»، الله يرحمك أيها السلس المنساب الذي اعتاد إغراقنا في بحر التفاصيل فعشقنا الغرق، وعرفنا أن في الغرق متنفساً أكثر، الله يرحمك أيها العزيز النفس الذي لم يركع أمام السلطان.

Ad

يا رحمة الله، توقفت غيمات عمنا خيري عن الإمطار، فبكت بساتين الأدب، ونزعت الفراشات ألوانها وارتدت السواد، وصمتت العصافير، وأغلقت أزهار عباد الشمس بيوتها عليها واعتزلت الضوء.

لكن عزاءنا أن الله مد في عمره إلى أن قرأ رواية «تحرير مصر» التي كُتبت في الميادين بدماء عشاق مصر... فادعوا لعمنا بالرحمة، وسارعوا إلى قراءة روايته الخالدة «وكالة عطية»، التي تجول بنا من خلالها في مدينة «دمن حور» أو «دمنهور» كما هو اسمها الحالي، إن لم تكونوا قرأتموها من قبل فتداركوا أنفسكم يرحمني ويرحمكم الله.

* * *

على من أراد قراءة «وثائق ويكيليكس» من الكويتيين أن يتأكد من صلاحية «مرارته» وإلا فستنفقع، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

وبالطبع لم تأتِ الوثائق بجديد، فكل ما ذكرته نعرفه ونحفظه عن ظهر غيب ونسمّعه بأقدامنا اليسرى، الجديد هو أن الكلام هذه المرة أتى من الأميركان، لا من الكويتيين المؤزمين.

لكن تعالوا ننظر إلى الموضوع من الكاميرا الجانبية، لنشاهد كيف يتفانى السفراء الأميركان في أعمالهم، وكيف يرتدون عدة الغوص ليغطسوا في أعماق محيطات الدول التي يتواجدون فيها، فيتفحصوا الأسماك الملونة والشعب المرجانية ووو، ويحصلوا على عينات من تربة القاع يرسلونها إلى مختبراتهم، ويعملوا بلا كلل ولا ملل.

وهنا ينبت سؤال: هذا ما فعله سفراء الأميركان، فماذا عن سفرائنا؟ «أجزم ذراعي» أن غالبية سفرائنا لا يعرفون أسماء أعضاء حكومات الدول التي يعملون فيها، دع عنك أسماء المعارضة وتشكيلات الأحزاب وتاريخها، وأحلق ذقني بسكين المطبخ لو كان بعضهم ملماً بثقافة الشعب الذي يعيش معه، أو كان يعرف أسماء أدبائه ورموزه التاريخية.

السفراء عندنا، في الغالب الأعم، مثل المحافظين، يتم تعيينهم من باب «التكريم»، بشرط أن يحفظ السفير عن ظهر قهر الجملة الباردة الباهتة الشاحبة: «الدولتان ترتبطان بروابط متينة»، وسلامتك وتعيش. لا يخرجون على فضائيات الدول التي يعملون فيها، ولا يشاركون في المنتديات، ولا يطلقون ضحكة ولا يذرفون دمعة، باستثناء قلة قليلة منهم، لعل الفريق علي المؤمن أحدهم.

سفراؤنا يبدعون في أمرين لا ثالث لهما، احتفالات الأعياد الوطنية و«القرقيعان»، والشهادة لله أنهم «عند وجهك» في هذا الأمر، أما الأمر الثاني فعندما يخرجون متراكضين، على رأي غسان كنفاني، لاستقبال بعض كبار التجار ومناديبهم، ويفرحون بمقدم التاجر ولا فرحة الإبل بـ«حنّة الرعد» و«لمعة البرق».

وفي انتظار العيد أو أي مناسبة وطنية، وفي انتظار زيارة تاجر ثقيل دم ورصيد، يقضي بعض سفرائنا أوقاتهم في التأمل في وجوه المارة، أو أجسادهم، على أحواض السباحة وفي ردهات الفنادق الفاخرة... ولا ندري «لمن تُقرع الأجراس»، بالإذن من همنغواي.