حتى يتحقق الإصلاح السياسي النوعي، فإن من المفترض الآن في ظل الوضع القائم المزري انتخابياً وسياسياً، ألا يضيّع المرشحون الوطنيون الساعون إلى الإصلاح السياسي الحقيقي جهودهم في معارك ثانوية غير مجدية، بل يتعين عليهم بدلاً من ذلك، التوافق مع مجموعة من المرشحين على نقاط محددة وواضحة للإصلاح السياسي النوعي.

Ad

في دول العالم الديمقراطي تكون الانتخابات العامة فرصة كي يتناقش عموم أفراد المجتمع بشكل شفاف في المشاكل العامة التي تواجههم، ومعرفة من لديه الإمكانات الأفضل لاختياره من أجل التصدي لها، وهكذا تكون الانتخابات العامة فرصة للتجديد الديمقراطي الذي يكون من خلال تداول السلطة التنفيذية.

لهذا تخوض الأحزاب السياسية الانتخابات العامة بقوائم انتخابية وبرامج سياسية تطرح حلولاً عملية لمشاكل المجتمع في الوقت الراهن وفي المستقبل أيضاً؛ على أمل أن تنجح في كسب ثقة الشعب وتشكيل الحكومة لتنفيذ هذه البرامج، أما لدينا فالوضع مختلف تماماً. كيف؟

أولاً: الترشح للانتخابات في وضعنا الحالي يتم على أساس فردي وليس بنظام القوائم النسبية؛ لعدم سماح النظام الانتخابي بذلك من جهة، وعدم جدوى ذلك من الجهة الأخرى بسبب غياب قانون إشهار وتنظيم الأحزاب السياسية التي تقوم على أساس وطني، وتطرح برامج انتخابية سياسية تعد بتنفيذها متى ما تسنى لها ذلك.

ثانياً: لا علاقة بين الفوز في الانتخابات العامة وتشكيل الحكومة؛ لأننا لا نعمل بنظام الحكومة البرلمانية التي يشكلها الحزب الذي يحوز الأغلبية رغم أن الدستور والمذكرة التفسيرية يشجعان على تشكيل حكومي قريب من شكل الحكومة البرلمانية.

ثالثاً: ما يطرحه بعض المرشحين على أنه "برنامج انتخابي" ليس سوى أمنيات وتطلعات عامة، غالباً ما يتم تناسيها بالمرة بعد الوصول إلى المجلس، لأنه من المستحيل أن يتمكن نائب واحد من تنفيذ "برنامجه" مهما كان دقيقاً ومحدداً، لهذا فإنه لا فائدة في أن يضيع المرشحون وقتهم ووقت الناخبين في الحديث عن "برامجهم الانتخابية" غير القابلة للتطبيق، ومن الأفضل أن يتبرعوا بقيمة "بروشورات" وملصقات و"بوسترات" ودعايات ما يسمونه "برنامجا انتخابيا" للجمعيات الخيرية، فكثرة المطبوعات الورقية تزيد من تلوث البيئة.

ما الحل؟

الحل يكمن في الإصلاح السياسي النوعي؛ كي تكون لدينا في المستقبل ديمقراطية حقيقية وحكومة برلمانية تستطيع تنفيذ برنامجها الانتخابي الذي يحوز ثقة الشعب، وهذا يشمل إصلاح النظام الانتخابي أيضاً، وذلك بإعادة توزيع الدوائر لتكون أكثر عدالة مما هي عليه الآن؛ سواء من ناحية عدد النواب بالنسبة إلى عدد الناخبين وعدد الذين يحق لكل ناخب اختيارهم، أو بالسماح بنظام قوائم التمثيل النسبي والتمثيل الفردي لمن أراد ذلك.

وحتى يتحقق الإصلاح السياسي النوعي، فإن من المفترض الآن في ظل الوضع القائم المزري انتخابياً وسياسياً، ألا يضيّع المرشحون الوطنيون الساعون إلى الإصلاح السياسي الحقيقي جهودهم في معارك ثانوية غير مجدية، بل يتعين عليهم بدلاً من ذلك، التوافق مع مجموعة من المرشحين على نقاط محددة وواضحة للإصلاح السياسي النوعي تكون هي برنامجهم الانتخابي الذي يخوضون بناء عليه الانتخابات، على أمل أن يكون بمقدورهم تنفيذها حالما يصلون إلى المجلس... فهل من مبادر؟